المصرى اليوم
عبد اللطيف المناوى
لو استمعوا لمبارك وقتها لاختلف الوضع الآن
«إن الحل هو عقد مؤتمر دولى يقوم- ­تحت رعاية الأمم المتحدة­- بصياغة اتفاقية تجرّم الإرهاب.. وتتعهد من خلالها الدول المُوقِّعة بعدم استقبال إرهابيين على أراضيها، وبعدم السماح لهم بفتح معسكرات تدريب على ترابها الوطنى، وبمنعهم من المرور من بلد إلى آخر.. على أن تتم مقاطعة دولية للحكومات التى ترفض تطبيق هذه الاتفاقية.. ولقد سبق لى أن قدمت هذا المشروع لأول مرة أمام برلمان (ستراسبورج) خلال عام 1986، فكم من وقت أهدرنا منذ ذلك الحين؟!». هذا كان رد الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك عندما سأله «شارل لامبروسكين»، رئيس تحرير صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، فى الثانى والعشرين من سبتمبر عام 2001، أى بعد أيام من هجوم الحادى عشر من سبتمبر. ويمكننا أن نرى من خلال الإجابة، بل من خلال الحوار كله، كيف كانت الرؤية المصرية شديدة الوضوح فى مسألة خطر الإرهاب على العالم ككل، وأيضاً أسلوب مكافحته.

وقتها أيضا نصح مبارك الولايات المتحدة بألا تلعب نفس لعبة أعدائها، قائلاً: «إنهم يترقبون إجراءاتكم القمعية حتى ينطلق من بين الدماء والحطام جيل جديد منهم يطالب بالثأر من أمريكا». كان رأيه أن الدواء لا ينبغى أن يكون أمَرّ من الداء.

وحول تعليقه على تعبير «الدول المارقة»- ومنها إيران، التى تتهمها واشنطن بأنها تدين الإرهابيين علانية، لكنها تمولهم سراً- أشار إلى أنه لا يريد التحدث عن إيران أو عن غيرها، وأن كل ما يمكنه أن يقول هو: «مصر لا تستخدم لغة مزدوجة، ومبدؤنا إزاء الإرهاب.. هو الشفافية».

وعما إذا كان يمكن التحدث عن الشفافية عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية.. قال مبارك: «على عكس ما يتردد فى بعض وسائل الإعلام الغربية، فإن المملكة لا تمول الإرهاب، وبالتالى فإنه لا ينبغى الخلط بين الحكومة السعودية وبين بعض المنظمات الخاصة، التى تسعى إلى مساعدة الفقراء بالمال، فيتحول هذا المال إلى أهداف أخرى».

وعن ليبيا.. قال مبارك إنه يقطع بأن العقيد الليبى معمر القذافى يرى مثلما يرى هو شخصياً فى تطرف الأصوليين تهديداً بالغ الخطورة،

ورداً على سؤال حول حق اللجوء السياسى، قال: «إن حق اللجوء تكفله المبادئ الديمقراطية.. لكن من غير المقبول أن تمنح دولة ديمقراطية حق اللجوء السياسى لمجرمين، ضاربة بذلك عرض الحائط بمعاناة ضحاياهم!، إن القاتل لا تحق له المطالبة بحقوق الإنسان، ومنح اللجوء لأناس قتلوا النساء والأطفال- بهدف واحد هو زعزعة استقرار بلد- هو انتهاك لحقوق الضحايا، وإذا ارتكب شخص جريمة فى فرنسا، فلا تظن أنه سيتمكن من اللجوء إلى مصر، فسوف أسلمه إلى فرنسا على الفور».

وقتها أيضا صنف لندن على أنها تحولت إلى أكبر قاعدة خلفية للإرهاب فى أوروبا، واعتبر أن بعض العواصم الأوروبية تحولت فى المقابل إلى مراكز تجمع حقيقية للإرهابيين، وعلى الحكومات التى قبلت استضافتهم ألا تتباكى أو تذرف الدمع عندما تتحول إلى أهداف لهم.

منذ وقت طويل كانت الرؤية المصرية لخطر الإرهاب وأسلوب محاربته شديدة الوضوح، لكن كثيرا من دول العالم، خاصة الغربية، لم تستطع أن تستوعب ذلك إلى أن طالتها نيران الإرهاب، ساعتها بدأت الحديث عن الحرب على الإرهاب. ومفهوم الحرب هذا أيضا مصطلح يحتاج تحديدا. وهنا أعود مرة أخرى إلى تحديد مصر لهذا المفهوم منذ سنوات طويلة. الحرب بمفهومها التقليدى أصبحت مفهوما بالياً، والإرهاب يتجاوزها خطورة، وعلى العالم أن يعى أنه مقبل على معركة طويلة على عدة جبهات، لذا يتوجب اختراق عدة شبكات قبل أن تتمكن دول العالم من وقف جميع الإرهابيين. مبارك علق على ذلك من زمن، قائلاً: «علينا أن نستغل الاستخبارات قبل أن نضع أيدينا على المنظمين، وأن نراقب التحويلات المالية عبر العالم، وأن نتابع الاتصالات عبر الإنترنت (..)، لكن كل ذلك يتطلب منا الصبر والاستعانة برجال الشرطة والمخابرات. إن قائد قاذفة تطلق الصواريخ على جبل فى أفغانستان لن يفيدنا فى شىء، فهو لن يفلح- مهما كان- فى تدمير جبل يحوى كهفا يخفى زعيم الإرهاب!».

وأنا أقرأ فى أرشيف الإرهاب، اطّلعت على هذا اللقاء المهم، ورأيت أنه من المهم أن نقرأه مرة أخرى. لو اقتنع مسؤولو الغرب منذ زمن بأن الخطر لن يظل بعيداً عن أبوابهم لكان الحال غير الحال. وكما ذكرت، فإن الرؤية المصرية للإرهاب وأسلوب مكافحته عبر تعاون دولى هى رؤية قديمة وواضحة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف