الوطن
محمد صلاح البدرى
الظهير الفكرى للمعركة!!
١- فى الثامن من أكتوبر عام 1981م.. وعقب يومين فقط من اغتيال الرئيس محمد أنور السادات.. كان الموعد مع أكبر مذبحة دموية فى تاريخ الجماعات المتأسلمة على أرض مصر.. ففى صباح عيد الأضحى بمدينة أسيوط.. احتل تنظيم الجهاد مديرية أمن أسيوط وأطلق النار بشكل عشوائى على الجنود والضباط المكلفين بتأمين صلاة العيد يومها.. ودارت معركة حامية أسفرت عن استشهاد 118 من جنود وضباط الشرطة والمواطنين.. فضلاً عن إصابة العشرات إن لم يكن المئات منهم.. كانت هذه هى النواة الأولى لأطول حرب خاضها هذا الوطن.. حرب استمرت أكثر من عشرين عاماً مع من ينتمون إليه اسماً فقط ولأفكارهم المتطرفة فعلاً..!

حرب خاضتها الأجهزة الأمنية وحدها دون أى ظهير فكرى.. ومن ثم نجحت فى القضاء على الأحداث.. دون أن تنجح فى القضاء على الفكر!

٢- يعتمد التكفيريون على ظهير فكرى موروث شديد التطرف تركه سيد قطب فى إرثه الغث.. فتجده فى كتاب «فى ظلال القرآن» يكتبها نصاً:

«إن مساجد ما يسمى بالمسلمين التى تقام فيها الصلاة ويرفع فيها الأذان ما هى إلا معابد جاهلية ولا بد من اعتزالها»، لقد قرر المفكر «الكبير» بمداد قلمه فقط أن المساجد هى معابد جاهلية.. فلا أعتقد أن مجهوداً كبيراً يحتاجه المفكر التكفيرى الحديث فى أن يستبدل «الاعتزال» الموصى به بالقضاء على من فيها باعتبارهم من رواد تلك المعابد!!

أتعجب كثيراً من الذين يستنكرون استهداف مسجد فى حادث بئر العبد الأخير.. فلا أعتقد أنهم يجهلون أننا جميعاً فى نظر هؤلاء الخوارج «كفار» بكل ما تحمله الكلمة من معان.. وبكل ما يترتب عليها من انعدام للحق فى الحياة نفسها فى شريعتهم!

بعض الكلمات قبور.. هذه حقيقة.. ولكن لا أعرف إن كان «قطب» يعرف كم القبور التى تركها لنا!!

٣- فى حوار لا يمكنك أن تتجاهل رنة الفخر التى كانت تملؤه.. صرح عاصم عبدالماجد خلال لقائه بالإعلامى محمود الوروارى، ببرنامج «الحدث المصرى» على قناة «العربية الحدث» عام ٢٠١٣ وعقب ثورة الثلاثين من يونيو، أن قتل ضباط الشرطة فى حادثة أسيوط عام1981 كان شرفاً له لم يندم عليه أبداً!!

التصريح كان فى سياق التهديد للدولة المصرية بأكملها عقب الإطاحة بحكم الإخوان.. ولكن المتأمل فيه بشكل أكثر دقة سيكتشف الكثير.. لم يتخل التكفيرى المخضرم عما آمن به فى شبابه رغم كل ما مر به.. ليس فقط لأن أحداً ببساطة لم يحاول مناقشته.. بل لأن الفكر نفسه -على الرغم من هشاشة ثوابته- يتسلح داخله بقوة يستمدها مما يوفره له من سلطة تملك نواصى الحياة نفسها!

يحاول التكفيرى دوماً أن يتسلح بالتهديد غير المبرر حين يتحدث مع المجتمع أو عنه.. وكأنه يحاول إقناع نفسه أو إثناءها عن أى تراجع.. يحاول أن يثبت لنفسه قبل الآخرين أنه على حق.. وأنه سينتصر لأنه الأقوى والأكثر تحرراً من كل قيود الإنسانية ذاتها!!

هناك لحظة معينة يتوقف فيها الحوار ويصبح غير ذى جدوى.. ويصبح التكفيرى منتهياً للصلاحية مهما حاولت استعادته!!

٤- البعض ينسب الحادث الأخير إلى مؤامرة خارجية فى المقام الأول.. والحقيقة أنه لا يمكن إنكار وجود دور خارجى فى تمويل وتسليح وإيواء تلك الشرذمة من المرتزقة المغيبين.. الأمر يحمل محاولات لا تنتهى لدفع الدولة المصرية فى منطقة التوتر الأمنى.. بعد أن نجح النظام فى الحفاظ عليها بشكل كبير خارج مسرح العمليات الأكثر سخونة على ظهر الكوكب فى السنوات الأخيرة..!

ربما كان استهداف المدنيين -ورواد المساجد تحديداً- يخصم من رصيدهم الشعبوى وتعاطف البعض من غير المنتمين كلياً لفكرهم.. ولكن من قال إن حتى هؤلاء لن يصيبهم الدور يوماً ما؟!

٥- لن يثنى الحادث أحداً على المضى قدماً فى مشوار الأمل لهذا الوطن.. ولكن ينبغى أن ندرك أن المعركة فكرية فى المقام الأول.. وأن الحلول الأمنية قصيرة الأمد مهما كانت قوية.. نحتاج لمن يجدد لهذه الأمة خطابها الدينى ويدحض تلك الأفكار الشاذة فى عقول أصحابها.. نحتاج إلى حرب فكرية تبدأ جنباً إلى جنب مع حرب الأسلحة والجنود.. نحتاج أن ننقذ الشباب حديثى العهد بتلك الأفكار قبل أن يتحولوا لوحوش آدمية تؤمن لسبب ما أنها سيف الله على الأرض.. والذين يجدون من يبث أفكاراً مسممة فى عقولهم دون أن يجدوا من يدحضها.. نحتاج -على وجه السرعة- ظهيراً فكرياً فى المعركة!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف