الوطن
محمد حبيب
مسرحية خطاب الرحيل (١)
(١) سمع المرشد «عاكف» منى تفاصيل كثيرة عن مشكلة إدارة الجماعة من خلفه وكيف أنه لا يدرى عن ذلك شيئاً، كما سمع أيضاً معلومات مستفيضة عن الأوضاع المتردية داخلها على مستوى الصف.. كنت أتوقع بعد ذلك أن نجلس معاً لكى نفكر بهدوء وتدبر وعمق فى رسم خطة لإصلاح الأمور، وما هو الطريق الأمثل لمعالجة الأخطاء التى مرت وتمر بها الجماعة.. كنت أتوقع أيضاً أن يقوم الرجل باستدعاء أعضاء مكتب الإرشاد ليسمع منهم (جماعة أو فرادى) عن رؤيته وملاحظاته حول ما جرى ويجرى، وما هى الأسباب التى أدت إلى هذه الأوضاع، وهل ما ذكرته له كان حقيقياً أم كان افتراء أو افتئاتاً، أو حتى التباساً علىّ؛ لكن للأسف، لم يحدث شىء من هذا على الإطلاق.. كنت آمل أن يغير الرجل من طريقته وأسلوبه فى تناول الأمور، لكن كان الواقع مختلفاً وغاب أو تاه عن بالى حقيقة وطبيعة الرجل التى خبرتها وسبرت غورها عبر عقود.. كان واضحاً أن المرشد ليست لديه أى رغبة فى السير على النهج الصحيح.. وكعادته، نأى بنفسه عن الخوض فى أى مشكلة، بل تركها لمن يتولى الأمر من بعده.. لذا، سوف يرى القارئ الكريم أن الخطاب المفاجئ الذى ألقاه الرجل لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمشكلات التى كنا بصددها.

(٢) فى صبيحة يوم الأحد ١٨ أكتوبر ٢٠٠٩، حضر المرشد «عاكف» إلى دار المركز العام بالروضة، ودلف مباشرة إلى غرفة الاجتماعات.. كان حاضراً فى ذلك اليوم مجموعة من الإخوان؛ منهم كاتب هذه السطور، د. محمود عزت، د. محمد بديع، د. محمد مرسى، سعد لاشين، عبدالرحمن البر، محمد رحمى، جمال ماضى، أشرف بدر الدين، وآخرون.. وبعد أن اتخذ المرشد مكانه، بدأ يلقى خطاب «الرحيل»، حيث كان يقرأ من ورقة مكتوبة أمامه، وكان من الواضح أن شخصاً ما قام بصياغتها له.. وسوف تلاحظ عزيزى القارئ أن الرجل بدا وكأنه يتحدث عن ملائكة مقربين أو أناس أطهار معصومين، وليس عن جماعة ورجال لهم أخطاؤهم وسلبياتهم، فكراً وفهماً وممارسة.. بل إنه نسى -أو تناسى- أخطاءه التى ارتكبها هو فى حق الجماعة ذاتها.. وسوف نرى -فيما بعد- أن خطاب الرحيل هذا كان أشبه بتمثيلية افتعلها وخطط لها لكى يستعيد الرجل كرامته التى فقدها؛ سواء بسبب تصرفاته وسلوكياته وعدم قدرته على ضبط وإدارة الأمور وفق منهجية علمية سليمة، أو بسبب موقف مكتب الإرشاد منه إزاء محاولاته وتحايلاته المضحكة لتصعيد الدكتور عصام العريان إلى عضوية مكتب الإرشاد.

(٣) افتتح المرشد خطابه بعبارة «سعياً للوفاء بما قطعت» (يقصد إعلانه عدم الترشح لمنصب المرشد لفترة ثانية).. وثنى على ذلك بقوله: رسالة من محمد مهدى عاكف، المرشد العام للإخوان.. وبعد أن حمد الله تعالى، وصلى وسلم على رسوله، قال: أيها الإخوان.. أحبة القلوب ورفقاء الدرب وشركاء المسئولية والهم.. انقضت الأيام وانفرط عقدها وصار لزاماً على صاحب الكلمة أن يصل بها لمستقرها، دونما إفراط أو تفريط، ومن ثم فإننى اليوم سعياً لأكون ملتزماً بما أعلنت، وموفياً لما قطعت، يوم أن تحملت مسئولية الإرشاد فى هذه الجماعة المباركة، أخط اليوم آخر رسائلى من موقعى هذا، سائلاً الله جل فى علاه أن يغفر لى كل تقصير وزلل كان، وأن يأجرنى على ما أمضيت، مبتغياً وجهه وطالباً رضاه.. وأحب اليوم أن أقدم كل شكر وامتنان وعرفان لكل من شاركنى المسئولية من إخوانى فى الداخل والخارج، وعلى رأسهم أعضاء مكتب الإرشاد وجميع إخوانى الذين كانوا نعم عون وخير سند.. (لاحظ عزيزى القارئ أنه لم يذكر شيئاً عن ماهية هذا التقصير الذى كان ملازماً له، والذى عانينا منه طوال ٦ سنوات، ولا عن الزلل الذى انزلق إليه خلال هذه الفترة، على الأقل حتى يستفيد الآخرون.. ولاحظ أيضاً أنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى موقف أعضاء مكتب الإرشاد الرافض لتصعيد الدكتور العريان لعضوية المكتب، وكيف أنه رجاهم وتحنن إليهم، إلا أنهم لم يظهروا أى تجاوب، وهو ما جعله يترك المكتب حانقاً غاضباً ويذهب إلى بيته على وعد ألا يأتى إلى المكتب أبداً!!)..

(٤) استطرد المرشد قائلاً: ولئن كنت اليوم أرحل عن موقع المسئولية، فإن هذا لا يعنى بحال من الأحوال إلا الانتقال من ساحة القيادة إلى رحابة الجندية التى لا تختلف مسئولياتها فى العمل، ولعل فى هذا الصنيع ما يحمل على زيادة البركة ويجعل من قادتنا مضرب المثل فى التغيير الذى يفتح الآفاق للإبداع، فلا تهابوا التغيير أيها الإخوان، وإياكم والإلف فإنه يقضى على الإبداع ويوهن المثل العليا ويركد الماء.. (لاحظ أن الرجل من خلال خطاب الرحيل، يسعى إلى تزكية نفسه بشكل ظاهر، بل يضرب بها المثل والقدوة للآخرين، ونسى أن يذكر أنه فى تلك اللحظة قد بلغ ٨٢ عاماً، وهى السن التى تجعل الإنسان -أى إنسان- غير قادر على إدارة جماعة بهذا الحجم، الأمر الذى أدى إلى فشله فى إدارة الجماعة فشلاً ذريعاً، بل حتى فى إدارة جلسات مكتب الإرشاد، والذى يرجع إلى ما ذكرناه فى هذه المكان سوف يجد عجباً).

(٥) ثم يقول: أيها الإخوان.. أحب أن أذكركم بأن المستقبل لهذا الدين، مهما كانت ظلمة الآن، بيقين المؤمن بوعد الله (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)، فلا تهنوا أيها الإخوان ولا تحزنوا ولا يحملنكم ظلم الواقع إلى درب اليائسين.. اذكروا عظيم ما تحملون من منهج، وارفعوا راية مشروعكم الحضارى الذى يستهدف كل الإنسانية.. ولا تخذلوا دماء روت شجرة جماعتكم منذ استشهاد مؤسسها الأول الشهيد حسن البنا، مروراً بأسماء كثيرة سقطت على درب الفداء، لتصل دعوتكم ويرتفع صوتها هادراً من الأعماق إلى الآفاق، من أمثال الشهداء: محمد فرغلى، عبدالقادر عودة، إبراهيم الطيب، هنداوى دوير، محمود عبداللطيف، سيد قطب، محمد هواش، عبدالفتاح إسماعيل، كمال السنانيرى، فاروق المنشاوى، أحمد قرقر، عز الدين القسام، أحمد ياسين، سعيد صيام، ومئات غيرهم سطرت تاريخ الإخوان المسلمين عبر عقود من الجهاد والدعوة والأمل، سواء فى داخل مصر أو على ثرى فلسطين وغيرها.. (لاحظ أن المرشد استخدم عبارة كانت عنواناً لأحد كتب سيد قطب، وهى: «المستقبل لهذا الدين»، ما يدل على مدى ارتباطه -أو بالأحرى ارتباط من اقتبسها- شعورياً بسيد قطب.. ولا أدرى لماذا أوصى الحاضرين ألا يخذلوا تلك الدماء التى روت شجرة الجماعة، ولم يوصهم بعدم الانزلاق إلى هاوية العنف والتفجيرات والاغتيالات التى ارتكبها النظام الخاص، أو محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؟؟).. (وللحديث بقية إن شاء الله).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف