المصرى اليوم
ايمن الجندى
لماذا تحب الأنظمة السلفيين؟!
يكاد التيار العلمانى يشد شعره، كلما أتحفنا السلفيون بآرائهم العجيبة، والتى تتناقض قطعا مع الحداثة، وتبدو غريبة على روح العصر، وقتها يشدون شعورهم: لماذا يغض النظام الطرف عن السلفيين؟
لماذا يسمحون– مثلا– بقيام أحزاب سلفية، مع أن القانون يجرم هذا؟ لماذا لا يكبتونهم مثلما كبتوا تيار الإسلام السياسى؟! ولماذا حين تحتدم الخصومة بين التيارين السلفى والعلمانى يبدو النظام غير مكترث بهم بالمرة؟ بل ولا يبالى بأحكام القضاء عليهم، مع أن الأمر سهل لو صدقت نية النظام، فالقاضى يحكم بقانون مُعد سلفا، وليس هناك ما هو أسهل عليهم من تشريع القوانين! ألم تروا أنهم– بجرة قلم- جعلوا التظاهر مجرما، مع أنهم لم يأتوا للحكم إلا بالتظاهر؟ وجعلوا الحبس الاحتياطى عقوبة فى ذاتها تُمدد إلى أجل غير مسمى دون محاكمة؟ وكله بالقانون!

■ ■ ■

البعض يفسر تلك العلاقة بأن بعضا من شيوخ السلفيين تربوا على حجر أمن الدولة وعينها، لتستخدمهم عند اللزوم فى محاربة الإخوان. ويسوقون أدلة من الماضى القريب. لكن هذا التفسير- برغم معقوليته- لا يفسر المسألة بأكملها. فأمريكا– مثلا– ربّت تنظيم القاعدة على عينها وحجرها، لكن الوحش أفلت من السيطرة، فأمعن فيهم تفجيرا وقتالا! فلماذا السلفيون دونا عن غيرهم يطمئنون إليهم؟

لتفسير ذلك ينبغى أن نفرق أولا بين السلفية العلمية والسلفية الجهادية. فالأنظمة، كل الأنظمة، تحب السلفية العلمية، فهو– بالنسبة لها- المواطن المثالى الذى يحلم به كل حاكم.

■ ■ ■

السلفية ليست مذهبا– وهذا للعلم- ولكنها منهج متكامل، لهم آراؤهم القوية جدا، وحجج مُحْكَمة. قدس أقداسهم التوحيد والبعد عما يؤدى إلى الشرك. ولهم معارك فكرية ضروس مع الشيعة والصوفيين. وهم فى الجملة يسيرون على فهم السلف ويأخذون به فى المسائل الاعتقادية. ولديهم ميل لتحويل أبسط العادات إلى قضايا اعتقادية تدخل فى صميم الدين.

على أن كل هذا ليس هو المهم. المهم أن علاقتهم بالحاكم مثالية جدا. فهم لا يجوّزون الخروج عليهم (ولهم أدلتهم الشرعية القوية)، بل حتى التناصح يجب أن يكون سريا. وللحاكم عليهم حق السمع والطاعة. وانتقاده على الملأ بدعة تجر إلى وبال مستطير.

هذه ليست تقية، ولكنها عقيدة دينية من صميم المنهج السلفى، فكيف- بالله- لا يطير أى حاكم بهؤلاء الأتباع الرائعين؟ وفيم يطمع أن يكون المحكومون خيرا من ذلك؟ أيريد شعبا من المتنورين المتعلمين أصحاب التفكير النقدى يراجعونهم فيما يفعلون؟ كلا بالطبع. الأمر المنطقى والإنسانى أن يعتبر النظام أتباع السلفية العلمية أنصاره المخلصين. فيترك لهم مساحة ليزيد أتباعهم. أما السلفية الجهادية، وتيارات الإسلام السياسى فهم–بالقطع- أعداؤه الطبيعيون.

■ ■ ■

وإن المرء ليحار حين يقرأ فى سير السلف فتجدهم فعلا أناسا رائعين. ما الذى تستطيع أن تقوله عن رجل فى وجهه نور الإيمان، سيّارا إلى المساجد، متصدقا بيمينه ويساره، عذب الحديث، مأمون الجانب، يعطى وجهه كله لمن يقصده. قوّام بالليل، صوّام بالنهار. يسير فى حلة نظيفة، وتنبعث منه الروائح الذكية. رجل بهذه الصفات الرائعة كيف لا تحبه؟

ولكن على الجانب الآخر، لم يكن لهم أى اهتمام بالسياسة العامة، حتى لو كان الحاكم لصا فاجرا تسبب– بسياساته- فى شيوع الفقر وأخذ الناس بالشبهة. وإن المرء يحتار أيهما أفضل؟ من هو جيد فى ذاته لكنه منصرف عن الشأن العام؟ أم ذلك الذى يرفض الظلم ويضحى بمصلحته الخاصة حتى ولو لم تكن خصاله الشخصية على المستوى الأخلاقى المطلوب؟!

ما رأيكم أنتم؟ أيهما الأفضل فى رأيكم؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف