المصرى اليوم
محمد أبو الغار
الجزائر وشعبها.. زيارة ورؤية واقعية
تلقيت دعوة لإلقاء محاضرتين فى الجمعية الجزائرية للخصوبة وشرفونى بأن أكون رئيساً للمؤتمر، وسبق أن حضرت مؤتمراتها، وبذا تعرفت على الجزائر وعلى شعبها وتوثقت علاقاتى مع الأطباء.

الجزائر دولة كبيرة فى المساحة ولها ساحل شمالى طوله 1600 كم وعمق جنوبى 2000 كم فى الصحراء ولها حدود مع تونس والمغرب شمالاً وموريتانيا وتشاد والنيجر وليبيا جنوباً.

البترول يتمثل جانباً هاماً من الاقتصاد والشركات الأجنبية تحصل على 40% من العائد والجزائر 60%.

وقد احتلت فرنسا الجزائر لمدة 130 عاماً احتلالاً استيطانياً وعاش فيها ما يقرب من 3 ملايين فرنسى، واعتبروا أن الجزائر جزء من فرنسا وقاموا بمحو اللغة والثقافة العربية ولاقوا خلالها أشد أنواع القهر، وقد خاضت الجزائر حرب التحرير التى سقط فيها مليون شهيد انتهت بالاستقلال عام 1962 وخروج معظم المستوطنين. وقد ساعدت مصر أيام عبدالناصر الثورة الجزائرية بقوة.

سفارة الجزائر فى القاهرة مقرها قصر كبير جميل فى الزمالك تلقته الجزائر هدية من اليهودى المصرى هنرى كوريل الذى كان من أهم قيادات الحزب الشيوعى المصرى وبعد خروج كوريل من مصر واستقراره فى فرنسا ساعد الثورة الجزائرية بالأموال والرجال والتخطيط حتى تحقق الاستقلال فقام بإهداء القصر الذى تملكه عائلته إلى الحكومة الجزائرية ليكون مقراً لسفارة الجزائر فى القاهرة.

عندما تقترب من أهل الجزائر تكتشف أنهم محبون لمصر والمصريين وقد تأثروا بالثقافة المصرية من أدب وفن وغناء وسينما، وأن الانطباع بأنهم شديدو العنف هو انطباع مبالغ فيه. وكان استقبال الجزائريين لى فى المؤتمر والشارع والمتحف حميمياً جداً حين عرفوا أنى مصرى.

انفصال الجزائر الثقافى والعلمى لسنوات طوال كان بسبب اللغة، فلغة العلم فى العالم أصبحت الإنجليزية ولغة التواصل فى المنطقة هى العربية ولكن فى الجزائر اكتسحت اللغة الفرنسية كل شىء لعقود طويلة، ولم يكن أحد يتكلم العربية. فقامت الحكومات الجزائرية بتنفيذ برامج كثيرة للتعريب فى الجزائر حققت بعض النجاحات، ولكن ما زالت الطبقة المتعلمة والمثقفون يتحدثون مع بعضهم بالفرنسية ولكن الشارع بدأ يتحدث العربية المخلوطة بجمل وألفاظ فرنسية.

اصطحبنى السائق محمد قريش فى جولاتى وهو يتحدث العربية المخلوطة بالفرنسية وهو محب لكرة القدم ومعجب بأبوتريكة ومحمد صلاح. وقال إن أمه وأباه يتحدثان فقط الفرنسية فى البيت ويشاهدان فقط التليفزيون الفرنسى أما فى الأجيال الشابة تحسن وضع العربية والمدارس تدرس بالعربية والفرنسية والأمازيجية وبعض من الإنجليزية. نسبة كبيرة من الشعب أصوله أمازيجية واللغة الأمازيجية مستخدمة فى كثير من البيوت وتكتب بحروف تشبه اليونانية القديمة والعبرية. ويقطن فرنسا 6 ملايين جزائرى والكثير من الجزائريين لهم أقارب فى فرنسا، وهناك رحلات جوية مباشرة مع معظم المدن الكبرى فى فرنسا. هناك علاقة ملتبسة بين الجزائريين وفرنسا بسبب عنف الاحتلال الفرنسى والنظرة الفرنسية المتعالية التى تركت أثراً نفسياً سيئاً لكن فرنسا بالنسبة لهم بسبب اللغة والجغرافيا والتقدم العلمى هى مصدر هام للحضارة والثقافة والصناعة. وينطبق عليهم المثل الشعبى المصرى «لا بَحِبَّك ولا أقدر على بُعدَك». ويقطن فرنسا 6 ملايين جزائرى.

فى افتتاح المؤتمر كانت كلمتى بالعربية وكانت كلمتى رئيس الجمعية ووزير الصحة بالفرنسية، وكان الجزائريون سعداء بأن المؤتمر أصبح دولياً وليس فرنسياً فقط وألقيت البحوث بالفرنسية والإنجليزية مع ترجمة فورية.

مدينة الجزائر مثل كل العواصم العربية بها زحام شديد وضائقة فى المرور وقد زرت شوارعها لمدة 3 ساعات مشياً على الأقدام بصحبة رئيس الجمعية الجزائرية، وشاهدت الحى الذى كان يقطنه الفرنسيون وقد خططه المهندس الفرنسى الشهير أوثمان الذى خطط وسط مدينة باريس وكذلك وسط القاهرة. وزرت متحف الفنون الجميلة وبه أعمال هامة لكبار الرسامين والنحاتين الفرنسيين من التأثيريين وغيرهم وكذلك كبار الفنانين الجزائريين.

مركز المؤتمرات الذى أقيم فيه المؤتمر مجهز بأحدث التقنيات ويعمل بكفاءة. يتحدث الجزائريون طوال الوقت عن عشر سنوات بدأت فى التسعينيات والتى قامت الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة فيها بالمئات من التفجيرات فى كل أنحاء الجزائر حتى تم القضاء على الإرهاب وإجراء مصالحة وطنية.

الجمعية الجزائرية للخصوبة بدأت بقيادة د. أمينة أومزيان وهى مديرة أكبر مركز أطفال أنابيب فى الجزائر وتبذل جهداً خارقاً مع زملائها لدفع الجمعية للأمام.

مصر بحاجة إلى أن تبذل جهداً حقيقياً بقواها الناعمة مثل الفن الذى يتحدث عنه كل الجزائريين المعجبين بالسينما المصرية والغناء المصرى. وفى مجال الطب هناك فرصة كبيرة لاستخدام هذه القوة فى إقامة علاقات وثيقة للتعاون العلمى حتى تدفع موقف مصر سياسياً واقتصادياً وربما فى أمور أخرى كثيرة وتقرب الشعوب ويستفيد الجميع.

تم تغيير أسماء الشوارع كلها بأسماء الشهداء الجزائريين الذين يسمونهم المجاهدين الذين ضحوا بحياتهم فى سبيل استقلال الجزائر. لقد استطاع الجزائريون الذين تعاملت معهم أن يعطونى فكرة جيدة عن هذا الشعب الشقيق، وعلينا أن نبذل جهداً لنبادلهم الحب والتواصل وبناء صداقة دائمة مبنية على مصالح مشتركة واحترام متبادل.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف