المصرى اليوم
اسلام الغزولى
اغتيال مسبّب
سريعا اندلعت النار في قلوب كل الأسر المصرية، بعد انتشار أخبار تفيد باعتداء مالك أحد المدارس الخاصة على ثلاثة أطفال، وتفجرت كل مشاعر القلق التي تؤرق قلوبهم، خاصة أن تفاصيل الحكاية التي تداولتها شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي شديدة البشاعة، وهو الأمر الذي تسابقت كل الجرائد والمواقع الإلكترونية بنشر تفاصيل حياة المتهم، وصوره وصور أوراقه الرسمية وعنوان سكنه، بشكل غير مهني أو آدمي.

للقصة أوجه كثيرة أولها أن حالة القلق تلك مصدرها الأساسي شعور الأهالي أن المؤسسات التعليمية كلها مع الأسف خارج السيطرة، مهنيا، وإنسانيا وماديا، ولا تلتزم معظمها بقوانين الدولة، بما فيها الضوابط التي تضعها وزارة التربية والتعليم، ولا يوجد الكثير من الآليات التي يمتلكها هؤلاء الآباء والأمهات القلقون لحصار حالة القلق والخوف، وهذا يحيلنا للوجه الثاني للقصة، وهو التحرك الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم فور نشر القصة، بوضع المدرسة تحت إشراف لجنة من الوزارة لحين انتهاء التحقيقات في الواقعة، وهي بذلك أسرع مؤسسة رسمية اتخذت رد فعل مطمئنا لأولياء الأمور بالمدرسة.

ومع ذلك فإن الواقعة إن صحت توضح أن الوزارة بحاجة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات الاستباقية لمنع وقوع مثل هذه الحوادث البشعة، كأن تلزم الوزارة كافة المدارس الخاصة التي تفرض مصروفات هائلة على الأهالي بمراقبة المدرسة بالكاميرات مع مد الوزارة بنسخ حية من أشرطة كاميرات المراقبة التي تسجلها شبكة الكاميرات في هذه المدارس، لتجنب الإخفاء أو التدليس من قبل إدارات المدارس، ولتكون الوزارة هي الحكم والفيصل في أي واقعة قد تهدد حياة ومستقبل أطفالنا، ولاشك أن هذه التقنيات موجودة بالفعل في أغلب المدارس التي يتكبد الأهالي مصروفات دراسية باهظة ومع ذلك لا يتاح لهم الاطلاع عليها إلا بطلب لإدارة المدرسة.

أما الوجه الثالث فهو حالة الشد والجذب بين المهاجمين والمدافعين عن صاحب المدرسة، بين من يدينه استنادا إلى بعض شهادات الأهالي، ومن يدافع عنه بناءً على اتهام لأولياء أمور الأطفال الثلاثة بالتربص بصاحب المدرسة، وفي مقابل هذه الحالة من الاشتعال، فإن تباطؤ وتلكؤ منظومة العدالة والتي انتظرت أياما طويلة لتقدم تقريرا يمكن إنهاؤه في يوم واحد، لتؤكد أو تنفي وقوع الجريمة وإظهار حقائق الأمور للقضاء على حالة التراشق، وأجد أن هذا الموقف يكشف عن غياب مفهوم العدالة الناجزة خاصة في الجرائم التي تهز المجتمع، وتهدد حالة السلم والشعور بالأمان لدى المواطنين، ولاشك أن مثل هذه النوعية من الجرائم- إن صدقت- لا تقل بشاعة أو ترويعا عن جرائم الإرهاب التي أبهرتنا هيئة الطب الشرعي بقدراتها الفائقة والسريعة على الكشف عن مرتكبيها، وفي اعتقادي كان الأولى بهيئة الطب الشرعي سرعة تقديم تقريرها، وتذييله بمزيد من الحجج والأسانيد التي تقطع الشكوك باليقين.

يا سادة، إن حالة التباطؤ تلك تثير الريبة، وتفتح الباب للطعن حتى على أحكام القضاء ومنظومة العدالة كلها وتفتح الباب للقيل والقال.

أما الوجه الأخير للأزمة فهو حالة التضارب الإعلامي والتسارع في نشر تفاصيل تتجاهل أبسط قواعد المهنية، وكان الهدف هو تحقيق أكبر قدر من القراءات والمشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لو كان ذلك على حساب حالة السلم الاجتماعي وتجريس المتهم إعلاميا، حتى إنه قد وصل إلى حد التشهير بالمتهم الذي لم يصدر ضده حكم نهائي يفيد ارتكابه للواقعة من عدمه وليس إطلاع المجتمع على مجريات الأمور.

ووسط كل هذه الفوضى تتخبط الأسر المصرية وتعيش حالة من الهلع والخوف على صغارها، دون بادرة طمأنة واحدة، إننا بحاجة ماسة لأن تتحمل كافة المؤسسات مسؤوليتها في الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعى والتعامل مع المواقف والأزمات بقدر من المهنية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف