المصريون
جمال سلطان
صدمة حوار سعد الحريري
أجرت الإعلامية اللبنانية "باولا يعقوبيان" حوارا مهما للغاية مع رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري في العاصمة السعودية الرياض ، وكانت حملة إعلامية وسياسية قادها الإعلام الموالي لحزب الله في لبنان قد سوقت لفرضية أن الحريري محتجز في السعودية وأنه لا يملك حرية الكلام أو الحركة ، ولما طال اللغط اقترح الحريري على "باولا" الحضور للرياض لعمل مقابلة تبث على الهواء مباشرة ، وقد كان ، وظهر الحريري في المقابلة حاضر الذهن وأكثر هدوءا وتوازنا ، وتشعب الحوار به في مختلف أبعاد الشأن اللبناني وتكلم بدون تلعثم وبوضوح ، كما بدا عليه التأثر من حال بلاده أثناء حديثه عن أن لبنان هو الأهم ، وأعاد التأكيد على أنه مهدد جديا بالتصفية في لبنان ، وأن لديه أسرة من حقها أن يحميها من المصير الذي طاله بعد تصفية والده المرحوم رفيق الحريري .
الإعلان عن مقابلة الحريري نزل كالصاعقة على المعسكر الإيراني ، واضطرب الجميع ، بعضهم شكك في حدوثه ، والبعض قدم فرضية جديدة ـ قبل الحوار ـ وهو أن الكلام الذي سيقوله سعد الحريري تم إملاؤه ، وكتب هؤلاء "الجهابذة" النصوص التي سيقولها الحريري والتي أمليت عليه ، وبالطبع كانت كلها أكاذيب وخزعبلات من فرط الصدمة ، ثم لما تبين أن الحوار جدي ، وأن باولا وصلت الرياض بالفعل ، بدأت لغة جديد يسوقونها ، وهو أن الحريري مختطف وبالتالي لن نسمح بإذاعة أي حوارات معه ، وبناء عليه قامت عدة قنوات تليفزيونية يسيطر عليها المعسكر الإيراني وحلفاؤه بإعلان الامتناع عن بث الحوار ، رغم أنه ـ حتى الآن ـ رئيس وزراء الدولة ، وأن ملايين اللبنانيين والعرب ينتظرون ما سيقوله ، ورغم أن هذا المنع هو مصادرة على حق الناس في المعرفة وفي الفهم وفي اتخاذ الموقف ، وأن مجرد حجب البث عن الناس هو فرض وصاية لا تليق بأي كيان سياسي ديمقراطي ، ثم لما تسمر الناس أمام شاشات التليفزيون لمشاهدة الحوار قامت ميليشيات حزب الله بقطع البث عن القنوات في الضاحية الجنوبية لبيروت ، والطريف أن رئيس الجمهورية ميشال عون قال قبل المقابلة أن أي كلام سيقوله الحريري لن يعتد به ولن يحمل على محمل الجد ، وبعد المقابلة لما لاطفه الحريري قال أنه متفائل بكلام الحريري وأنه يؤكد على أن التسوية السياسية ما زالت قائمة !.
الحريري في حواره أعاد التأكيد على كل المعاني التي قالها في خطاب الاستقالة ، ولكن بلغة أكثر هدوءا ، وأكد على أنه لا يعترض على وجود حزب الله ، وأنه يرحب به كحزب سياسي ، ولكن بشرط أن لا يخرب البلاد في إشارة إلى سلاحه الخارج عن الشرعية وسلطة الدولة والذي يستخدمه لترويع أي قوة أخرى ، وقد استخدمه من قبل في اجتياح بيروت والسيطرة عليها لعدة ساعات ، كما أكد الحريري على أنه سيعود إلى بيروت خلال أيام ، ولكنه يريد أن يؤمن تحركاته ، وهذا حقه ، وأعتقد أن رجوعه سيتأخر بعض الوقت لترتيبات أمنية بالأساس ، لأن لبنان مكشوف أمنيا ، حتى أن حسن نصر الله أمين عام حزب الله ، الذي يملك ميليشيات وجهاز استخباراتي وقدرات عسكرية كبيرة يختفي عن الأنظار تماما ، ومنذ اثني عشر عاما كأنه دخل في سرداب لا يظهر منه إلا دقائق لإلقاء كلمة ثم يختفي مرة أخرى ، ولا يعرف له مكان سكن ولا مكتب ولا طريق ، وكل ذلك للخوف من الاستهداف .
الجدل حول ظروف بقاء الحريري في السعودية تحول إلى ما يسمى بالجدل البيزنطي ، وهناك فريق يصر على أن الحريري مختطف ومقيد الحركة حتى لو عاد إلى بيروت بدعوى أن له مصالح في السعودية سيضغط عليه بها ، وبالتالي فهذه النوعية من العقول يصعب الحوار العقلاني معها ، وقد اضطرت صاحبة الحوار "باولا يعقوبيان" إلى كتابة تغريدات على صفحتها تستغرب فيها خيالات البعض الغريبة عن وضع الحريري وحتى عن أجواء الحوار نفسه ، وقد زاد من اللغط في قضية الحريري أنها دخلت على خط الانقسام الخليجي نفسه ، وأصبحت جزءا من أدوات الصراع الإعلامي فيه ، مثلها مثل قضايا أخرى عديدة في المنطقة .
من الواضح أن البعض في لبنان اليوم يحاول التغطية على أصل الأزمة ومعقدها ، وهو سيطرة ميليشيات حزب الله المسلحة على الدولة ومفاصلها وعلى القرار السياسي ، يحاول البعض أن يأخذ العقول بعيدا عن "المختطف" الحقيقي وهو لبنان الوطن ، والخاطف الحقيقي وهو حزب الله الذي يعلن بوضوح أن ولاءه الكامل للولي الفقيه في إيران ، وتتم تلك التغطية من خلال الزن على أسطورة جديدة عن اختطاف سعد الحريري .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف