فيتو
رمضان البية
يا فرحتنا بالحبيب المصطفى
لم يشهد التاريخ البشري ولن يشهد إنسان يحمل معاني الإنسانية كاملة بكل ما فيها من قيم إنسانية نبيلة ومكارم أخلاق وفضائل ومحاسن واحدًا كرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد اكتملت فيه كل المكارم والفضائل، وإلى هذه الحقيقة التي لا مراء فيها والتي شهد لحضرته بها القاصي والداني، أشار إليها صلى الله عليه وسلم بقوله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، نعم، فهو المتأدب بالآداب الربانية، والمتخلق بالأخلاق القرآنية، وصدقت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها إذ قالت عنه: "كان خلقه القرآن"، وصدق الصحابة الكرام، إذ قالوا عنه صلى الله عليه وسلم: "كان قرآنا يمشي على الأرض".

هذا وعندما نعرف معنى الإنسانية نقول هي الصفات الجامعة للمكارم والفضائل والمحاسن والتي منها الرحمة والكرم والجود والسخاء والتواضع والعدل والأمانة والاعتدال، والصدق والطهر والنقاء ونقاء السريرة، وطهر القلب وصفاء النفس والحلم والرأفة ولين العريكة وتوقير الكبير ورحمة الصغير، والعطف على الأرملة واليتيم، ومواساة المساكين ومساعدة المحتاج، والتسامح وحسن المعاملة لكل البشر، ومقابلة السيئة بالحسنة والإحسان للمسيء والعفو عن الظالم، ووصل القاطع وصلة الرحم وطيب المعاشرة، وحسن الجوار، كل تلك الفضائل والمحاسن وأكثر قد اجتمعت في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكانت على أثر الفطرة النقية الطاهرة الثابتة والتي لم تتغير التي فطره الله تعالى عليها، ولذا لم يكن النبي الكريم يتكلف شيئًا من الفضائل أصلا، وإنما كما ذكرنا هي نتاج فطرة الله تعالى التي فطره عليها وجبله عليها.

هذا ولقد شرفت الإنسانية بحضرته عليه الصلاة والسلام، ولا أبالغ إذا قلت إن له صلى الله عليه وسلم الفضل على الإنسانية ذاتها، فهو الذي جلاها وأظهرها في أكمل وأجمل وأجل صورها ومعانيها قولا وفعلا وعملا وسلوكا، هذا ولا حد ولا منتهى لوصف خلقه العظيم، ورحم الله سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، إذ قال لرجل جاءه يطلب منه إحصاء خلق الرسول الكريم، قال له: "يا رجل هل تستطيع إحصاء نعم الله، فأجاب الرجل متعجبًا بقوله، لا وكيف لي إحصاؤها وقد قال الله فيها "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، فقال له الإمام: وكيف لي إحصاء خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله فيه "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقال سبحانه وتعالى عن متاع الدنيا كلها، "قل متاع الدنيا قليل"، نعجز عن إحصاء متاع الدنيا القليل فكيف نحصي من وصفه الله بأنه لعلى خلق عظيم.

هذا وعندما ننظر إلى هذه الآية الكريمة "وإنك لعلى خلق عظيم" ندرك أنه صلى الله عليه وسلم ارتقى فوق الخلق العظيم، فاللام السابقة على كلمة على خلق عظيم هي لام للرفعة والتأكيد، وكان من الممكن أن يقول الله عز وجل، إنك على خلق عظيم، ولا نرى خللا في السياق وإنما قدم الله حرف اللام ووصلها بكلمة على إشارة لسمو قدر النبي ومنزلته وارتقائه فوق الخلق العظيم، ومن هنا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم عين الكمال ومظهره وجوهره وحقيقته، وأنه الإنسان الكامل الأكمل الأتم المكمل، أي الكامل في ذاته والمكمل لغيره، ولذا جعله الله سبحانه مناط ومنارة الإقتداء والتأسي، حيث قال تعالى: "ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا".

هذا وإذا نظرنا إلى حكمة الله عز وجل في أن جعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خاتمًا للأنبياء والمرسلين نرى، أن الله تعالى حين أراد أن يختم الرسالات السماوية بأكملها وأتمها وأحسنها وأجلها انتقى لها خيرة الأنبياء وصفوتهم وإمامهم وقائد ركبهم فختم الله رسالاته بصفوة الأديان ووصفه بالدين القيم، وختم أنبياءه ورسله بسيد الأنام عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم السلام، وكان بذلك إمام الأنبياء وسيد المرسلين.. ومن هنا حزنا نحن أمة الإسلام شرف الانتساب إلى حضرته فنحن أمة خير الأنام، وكنا خير أمة أخرجت للناس، فقد خصنا الله بأتم الرسالات وأكمل الرسل، ولا ينقصنا سوى اتباع هديه القويم والتخلق بأخلاقه العظيمة، وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول: "يا هنا هنانا بحضرته عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف