المصريون
جمال سلطان
من يحمي نساء مصر من هذا الرخص السياسي ؟
لم يكد يمضي على منتدى شباب العالم في شرم الشيخ الذي حضره بالكامل الرئيس عبد الفتاح السيسي واحتفل به كثيرا سوى يومين فقط ، حيث تحدث في ختامه طويلا وبإلحاح وتوسع عن المرأة وكرامة المرأة وحرمة المرأة وتمكين المرأة ، وبكى في المنتدى على الهوان والاستباحة التي تعرضت لها الفتاة العراقية الإيزيدية "لمياء" وقرر أن يمنحها جائزة خاصة لتكريمها في المنتدى ، يومان فقط ، وإذا بإحدى السيدات المصريات من النشطاء معارضي السيسي تتعرض لحملة استباحة وتشهير وإهانة عبر صحف معروفة بقربها من جهات رسمية ، أو هي تزعم أنها توالي الرئيس وتنحاز له وتدعو لنظامه ، هذا بالإضافة إلى حملة أخرى واسعة على صفحات التواصل الاجتماعي من خلال لجان الكترونية ونشطاء من أنصار الرئيس ، يسربون صورا لتلك السيدة الشابة وهي بلباس البحر مع كلمات التشهير والتجريح والإسقاطات الفاجرة في الكلام ، مع التذكير على أنها من نشطاء ثورة يناير أو "نكسة يناير" كما يعبر أنصار الرئيس ، رغم أن هذا الوصف لثورة يناير هو جريمة اعتداء على الدستور المصري الذي أقسم عليه الرئيس ويستمد منه الشرعية ، والذي يعتبر ثورة يناير ثورة مباركة وأنها أنقذت مصر من الفساد والظلام والدكتاتورية .
حملة البذاءة والتشهير واستباحة عرض امرأة مصرية لمجرد أنها معارضة للرئيس ، محت أمام الناس كل ما قاله السيسي عن المرأة وكرامتها وتمكينها في منتدى الشباب، وبدا أن أنصار السيسي ـ على الأقل ـ فهموا من الكلام أن المرأة المقصودة بالتكريم والاحترام هي المرأة التي تؤيده أما المرأة التي تعارضه فهي تستحق الرجم والتشهير والشتائم والاتهامات الفاحشة ، فهي بلا عرض وبلا كرامة ، فهل هذه هي الرسالة التي يعتمدها النظام الآن ، والتي يوافق عليها رئيس الجمهورية .
ما فعله أنصار السيسي مع السيدة إسراء عبد الفتاح ، في دلالته وأخلاقياته ، هو نفسه ما فعله الدواعش مع لمياء الإيزيدية ، فقط ، هم لم يتمكنوا من بيعها في سوق النخاسة ، ولكنهم اجترأوا على عرضها واستباحوا كرامتها وشهروا بها وخاضوا في شرفها لأنها من خصومهم ، هذه أفعال الدواعش ولا يصح أن تكون أفعال أنصار رئيس دولة ضد معارضيه ، سواء كانوا نساء أو رجالا ، والحقيقة أنها لم تكن المرة الأولى التي يجري فيها ذلك ، فقد تعرضت لما يشبهه سيدات فضليات معارضات أخريات ، كما تعرض له شباب ورجال آخرون ، بعضهم كانوا من أنصار السيسي نفسه ، ولكنهم اختلفوا معه في موقف أو آخر فقرر أحدهم تأديبه .
كرامة المرأة ليست خطبا عصماء ، ولا دموعا تذرف في لحظة عاطفية ، ولا كلمات منمقة من دروس الإنشا ، وإنما كرامة المرأة سلوك عملي وأداء دولة وحماية قانونية وثقافة مجتمع ودولة وقادة ، ولذلك يندر أن تسمع هذا الحديث المنمق عن كرامة المرأة في أي بلد متحضر ، في أوربا أو أمريكا ، هم لا يحتاجون لهذه الخطب ، لأن تلك ثقافة مجتمع ، وثقافة دولة ، وثقافة نظام حكم ، وبديهة من البدهيات ، ولو أن ما حدث مع إسراء حدث في أي دولة من تلك الدول لقامت الدنيا ولم تقعد ، ولتمت محاكمة كل من تورط فيها أمام القضاء ومحاكمة نصف الحكومة أمام البرلمان ، ولكن هنا في مصر ، تمر مرورا عابرا ، حيث يكفينا الكلام الجميل الذي قاله الرئيس عن المرأة وكرامتها أمام شباب من العالم البعيد ، سيغادر ، ويندر أن يتابع ما يجري في مصر والمرأة المصرية بعدها .
واقعة إسراء عبد الفتاح ليست وحيدة ، ولا فريدة ، ولا استثنائية ، لكنها فقط تذكرنا بهذا الخلل الأخلاقي الرهيب الذي يظلل الحياة السياسية وتتعايش معه السلطة وتغذيه ، كما تذكرنا بهشاشة المظلة القانونية التي تحمي كرامة الناس وأعراضهم ، وخاصة هؤلاء الذين يتخذون موقفا معارضا للسلطة ، إنه مستوى من "الرخص" السياسي لم تعرفه مصر بتلك الكثافة من قبل .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف