التحرير
محمد المنسى قنديل
مقاتلو «داعش» يعودون
أين ستذهب هذه الكتلة من المقاتلين الذين فقدوا الأرض التي كانوا يقفون عليها؟
لا توجد جحور كافية ليختبئوا فيها، ولن يستسلموا بسهولة للسجون المفتوحة في انتظارهم، ولن يعيشوا في ظل مؤسسات لا يعترفون بشرعيتها ويتحولوا إلى مواطنين خانعين مثلنا، هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه على الجميع، وعلى مصر بشكل خاص، فبقية الدول التي خرج منها المقاتلون تتوقع عودتهم فرادى، دون أسلحة، دون رغبة حقيقية لمواصلة المعارك، أما نحن فنعرف أنهم سيعودون بكامل عدتهم وسينضمون إلى الجبهة الغربية التي فتحت في صحراء الواحات، سيختبئون لفترة من الزمن ثم يعبرون الحدود من ليبيا ليقوموا بعملياتهم التخريبية، لن يقنعهم أحد بالعودة للسجون المصرية كالفئران الهاربة، وعلينا أن نعرف منذ الآن أننا نواجه مشكلة ضخمة.
الجميع يراقبون بقايا داعش في قلق، بعضهم يظن أنه انتصر عليهم، والبعض الآخر ينتظر معركة جديدة معهم، تعتقد أمريكا أنها انتصرت في حربها الطويلة ضد داعش، وتعتمد في ذلك على أرقام الذين قتلتهم من أعضاء هذا التنظيم، وكما يقول الجنرال ريموند توماس قائد العمليات الخاصة الأمريكي في البنتاجون:
"لقد قتلنا، مع التحفظ في ذكر الأرقام، 60 ألف مقاتل منهم، هذا هو عدد الجيش الذي أعلنوا عنه والذي ذهبنا للحرب ضده"، لقد ذكرت وتيرة القتل العالية قادة الجيش الأمريكي بما حدث فى فيتنام عندما أحرقت عشرات القرى بالنابالم، لقد فعلت أمريكا شيئا شبيها بذلك في الرقة، وأثار هذا المخاوف من قيام بقايا هذا الجيش بالثأر، ولكنها تؤكد أنها لا تجد الكثير من العائدين من جيش الخلافة، لأنهم قتلوا، ربما تحاول أن تطمئن نفسها، ولكن لا أحد يعرف عدد الذين بقوا؟ وأين هم الآن؟ وما الخطر الذي يمثلونه؟ خلال عامين فإن أربعة من 42 عملا إرهابيا تم نسبتها إلى داعش، ويقول تقرير أوروبي إن حوالي 5 آلاف شخص عادوا إلى بيوتهم في أوروبا، ولكن ما زال يوجد عدة آلاف محبوسين على حدود تركيا والأردن والعراق، والمشكلة ليست في هؤلاء العائدين فقط، ولكن أيضا في المهاجرين الذين طردهم داعش من بيوتهم، والنتيجة أن هناك عشرات المجاهدين يبحثون عن ميدان جديد للقتال أو ملجأ جديد في أي بلد إسلامي آخر.
ومهما قالت أمريكا أو ادعى قادتها عن نيتهم في محاربة الإرهاب فإن داعش هو من صنيعة أيديهم، فقادة التنظيم من خريجي الأجهزة العسكرية الأمريكية، فقد خرج معظمهم بمن في ذلك الخليفة أبو بكر البغدادي من سجون معسكرات بوكا وسجن أبو غريب، وبعد عقد من الزمان على خروجهم، ولدت دولة الخلافة، وتمكنت "داعش" من جمع أكثر من أربعة أضعاف عدد المقاتلين من العرب الأفغان الذين انضموا إلى الحرب ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وبعد انسحاب السوفييت واصلت فلول العرب الأفغان بقيادة أسامة بن لادن تشكيل تنظيم القاعدة وشن الهجوم الأكثر فتكًا على الأراضي الأمريكية منذ بيرل هاربور. كان تتبع المقاتلين في داعش صعبا في البداية، فقد تسللوا، أو تم تهريبهم عبر الحدود، كانوا يسافرون عبر بلدان عديدة دون يعلنوا عن نيتهم، وكانوا يرتدون أقنعة سوداء عند ظهورهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لهجاتهم فقط هي التي تكشف عن الأماكن التي جاؤوا منها، وقد حافظ داعش، مثلما حدث في ألمانيا النازية، على سجلاتهم الشخصية، وتطبيقاتهم، وتاريخهم، وتم استرجاع آلاف الصفحات في المدن الرئيسية التي تخلت عن داعش، كما أعلن مسؤولون أمريكيون. وقد ساعدت أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة التحالف على بناء صورة عالمية لأعضاء داعش والمتعاطفين معهم.
وتم إرسال 19 ألف اسم للإنتربول الدولي. في عام 2011 انضم إلى التنظيم حوالي 40 ألف شخص من أكثر من مئة دولة، إضافة إلى المقاتلين المحليين من سوريا والعراق، ولكن الأعداد التي حاولت الخروج من أمريكا كانت منخفضة، حوالي مئتين وخمسين شخصا حاولوا السفر، نجح منهم النصف فقط وتم احتجاز النصف الآخر، ونصف هؤلاء هم الذين تمكنوا من العودة، وقد تم القبض عليهم وسوف يتم محاكمتهم بتهمة دعم الإرهاب. ومثلما ظهرت علامات عودة المقاتلين في مصر، ظهرت في أوروبا أيضا، في العديد من الهجمات التي تم تنفيذها في بروكسل ثم في باريس، وقد نسبت معظم الجرائم فيها للعائدين، وأحيانا لا يضم المشتبه فيهم أكثر من اثنين أو ثلاثة، فالهجمات الإرهابية لا تحتاج لأعداد كبيرة، وقد تسبب سقوط الرقة في مقتل 120 من قادة التنظيم، وهم الآن في مرحلة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ما زال العديد من المقاتلين على المسرح، ويقدر عددهم بين ستة إلى عشر آلاف مقاتل وقد هربوا إلى صحراء وادي الفرات، ولا يزالون يتحكمون في شبكة المعلومات التابعة للجهاز ولهم علاقات وثيقة بالخارج. سيعتمد مستقبل الدولة الإسلامية على هؤلاء العائدين، فمع انكماش الأرض من تحت أقدام قادتهم سيبحثون عن أنصار لأفكارهم عبر البحار وسيعتمدون عليهم لإبقاء فكرة الخلافة حية، فمستقبل هؤلاء المقاتلين يعتمد على خبرتهم الماضية مع داعش وعلى التزامهم الأيديولوجي حيال حلم الدولة الإسلامية، وهو يمتد في داخلهم إلى عروق عميقة من خيبة الأمل في التعامل مع السياسة التقليدية وعدم الثقة في مؤسسات الدولة، وربما لن يحدث لهم أن يستعيدوا داخل بلدانهم التجربة التي عاشوها في داعش بنفس حدتها عندما كانوا يحاربون في الصفوف الأمامية، ولكنهم عرضة بشكل خاص للاتصال بالأشخاص الذين كانوا جزءا من الشبكة التي جندتهم، أو نداء للحصول على مساعدة من الرفاق السابقين في السلاح، ومن المرجح أن ينمو تأثير العائدين وإشراكهم في زيادة أعداد المتعاطفين مع التنظيم، وكل من يرغب في مواصلة الكفاح سيجد وسيلة للقيام بذلك. العالم أصبح مغلقا أمام داعش، وعندما تسقط مدينة "أبو كمال" السورية سيفقدون آخر معاقلهم، ولن يبقى لهم إلا بضعة جحور متفرقة، وهم يبحثون عن ثغرة يطلون منها ويواصلون القتال، ومن المؤسف أن هذه الثغرة موجودة في مصر، وسنعاني منهم مثلما عانينا من العائدين من أفغانستان، فطريقهم إلى ليبيا ما زال مفتوحا، ومعرفتهم بالطرق الصحراوية التي تؤدي إلى الحدود المصرية مرعبة، فالصحراء المصرية خالية ومكشوفة ومغرية، وهي نقطة الضعف التي نعاني منها، وهكذا تصنع أمريكا الإرهابيين وندفع نحن الثمن، وعلى قوات حرس الحدود أن تنتبه جيدا حتى لا يحول داعش معاركه إلى داخل أراضينا.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف