الوفد
أمينة النقاش
على فكرة - رداً على وحيد عبدالمجيد
تحت عنوان «يفضلون البقاء أشباحاً» كتب الدكتور وحيد عبدالمجيد فى عموده اليومى «اجتهادات» فى صحيفة الأهرام يوم الاثنين الماضى مرحباً بحرارة بقرار حزب أردنى حل نفسه.
وفسر الكاتب ترحيبه بالقول إنه لم يجد حزباً مصرياً لديه شجاعة حل نفسه كما فعل حزب «التيار الوطنى الأردنى» قبل أيام، بسبب ما أسماه رئيسه عبد الهادى المجالى تهميش العمل الحزبى.
فالحزب، كما يقول الكاتب، لم يجد حرجاً فى الاتجاه لحل نفسه أفضل من معظم الأحزاب المصرية القائمة الآن، وهو ما يدعوه لوصف هذا التوجه بشجاعة قيادته وإدراكها «أن الاعتراف بالإخفاق خير من الاستمرار فيه، فهى لم تحاول إنكار الواقع أو التحايل عليه» منهيا المقارنة بين الحالتين الأردنية والمصرية بقوله القاطع إن «الأحزاب فى مصر تفضل أن تبقى على الهامش، حتى صارت أشباحاً لا وجود لها!
وبصرف النظر عن أن حزب التيار الوطنى الأردنى حديث النشأة فقد تأسس عام 2009، أى بعد نحو 20 عاماً من تجربة التعدد الحزبى فى المملكة، وأن معظم قياداته من رؤساء الحكومات ورؤساء البرلمان والوزراء حتى وقت قريب، بما لا يعفيهم من المسئولية عن الواقع المرير الذى ينتقدونه، وأن الحزب قد تعرض لانشقاقات اتهمت فيه تلك القيادات والانفرادية فى اتخاذ القرار، وأن عناصر بداخله رفضت قرار الحل، أقول بصرف النظر عن كل ذلك، فإن أهم الأسباب التى دعت قيادات الحزب إلى حله لم ترد فى المقال برغم تماثلها مع الحالة المصرية.
فنحو 75% من سكان الأردن البالغ عددهم أكثر من تسعة ملايين نسمة من الشباب، وهم لا يؤمنون بالعمل الحزبى، أى أن أكثر من ستة ملايين شاب لا يشاركون فى الحياة الحزبية لأكثر من سبب لعل أهمها الإطار الشكلى للتجربة الحزبية، والتعامل معها بوصفها كيانات غير مشروعة، وتحكم المال السياسى فى مسارها، وهو ما أدى إلى سيطرة جماعة الإخوان فى الأردن على الشارع والمجتمع، والصعود إلى البرلمان فيما بعد، وحصدها لنصف مقاعد البلديات مؤخرا برغم القرار الرسمى بحظر نشاطها باعتبارها جماعة غير شرعية!
يكرس المقال لسلعة رائجة هذه الأيام تقرأ التجربة الحزبية السائدة التى نشأت منذ أكثر من أربعين عاماً فى غير سياقها، بهدف تعظيم اخطائها والتقليل من شأنها وطمس كافة الأدوار الهامة التى لعبتها فى المعركة من أجل أحداث التطور الديمقراطى فى مصر، التى هى سجال مستمر ينطوى على مكسب وخسارة، لكنه يحدث التراكم الذى يفضى إلى التغيير.
وليس صحيحاً ما ورد بالمقال من أن ثورة يناير قد وفرت مقومات لانطلاق الأحزاب، بل هى فتحت الباب واسعاً أمام نمو عشوائي كارثى للأحزاب المتاجرة بالدين، ولأخرى انشئت لقول كل ما يستساغ سماعه، ليغدو لدينا فى نهاية المطاف أكثر من مائة حزب، وهو الرقم الذى بات مستخدماً من القوى المعادية للديمقراطية فى البلاد للتدليل على عدم جدوى التعددية الحزبية، بعدما ساهمت فى تهميشها وأضعافها، بجانب عوامل ذاتية لا ينكرها أحد.
تعانى الحياة الحزبية من الإعاقة بسبب الفهم القاصر للديمقراطية لدى الحكومات المتعاقبة، وقد أرادها الرئيس السادات تعددية شكلية مقيدة، لكنها انقلبت على قيوده وعلى قيود من خلفه، وكل التغيرات التى حدثت فى الواقع التشريعى والاجتماعى نحو مزيد من الحريات العامة وحريات الصحافة والرأى والتعبير والمرأة وحقوق المواطنة، وصولاً إلى ثورة يناير وإصدار دستور 2014، هى ثمرة من ثمار النضال الديمقراطى للأحزاب الرئيسية ومن المعارك الطاحنة التى خاضتها.
المعركة من أجل التطور الديمقراطي فى مصر دائمة ومستمرة، لتصويب مساراته المتعرجة، ولأن ذلك لم يحدث فى تجارب التاريخ بدون تعدد حزبى، لهذا تبقى دعوة الأحزاب لحل نفسها هروبا من المعركة واعتزال الحياة والاعتكاف فى ملاذات آمنة، وليست هذه شجاعة بل استكانة لواقع ضار بمستقبل الوطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف