سامى عبد العزيز
رأي - الإختلاف يفسد للود قضايا !
احضر اجتماعات واقرأ مقالات وأشاهد حوارات وحتي صلاة الجمعة لا أري ولا أسمع إلا حالة من حالات التشنج والتعصب المقيت، من هنا جاءت فكرة هذا المقال توصيفاً لواقع أصبحنا نعيشه
ولحالة أصبحت سائدة في تعاملاتنا، باحثاً عن سبب لها، وعن علة لحدوثها، وعن آلية عملية للخروج من تأثيراتها.. نحن لم نعد نطيق الرأي المختلف، ولم نعد نستطيع التآلف مع التنوع.
قائمة »البلوك» في الفيس بوك أصبحت شاهداً علي هذه النزعة التعصبية لدي كثيرين منا.. إذا أردت أن تعرف درجة تسامح الشخص انظر إلي قائمة »بلوكاته».. قائمة الحظر توضح أي الأشخاص هو، ودرجة قبوله للاختلاف عنه.. حتي من يدعون آناء الليل وأطراف النهار إلي التسامح والحوار ضاق صدرهم بمن يختلف عنهم.. أحد السياسيين الافتراضيين علي »تويتر» ضاق صدره بمن يختلف معه، وقرر »حجبهم» وعدم التعامل معهم.. حذف من قائمة متابعيه أكثر من نصفهم، وأعلن ذلك في »تويتة».. البوب لا يطيق الاختلاف ولا التنوع.. الرأي الأوحد هو سيد الموقف!!
وسائل إعلامنا تميل إلي عرض وتبني وجهة نظر واحدة.. لا مجال في هذه الأيام لعرض أي وجهة نظر مختلفة، نميل إلي »شراء دماغنا» وتكبيرها عن كل من يدعونا إلي إعادة الرؤية أو النظر إلي أي شيء بطريقة مختلفة.. نحن أقرب إلي »الإنسان ذي البعد الواحد» علي حد تعبير هربرت ماركيوز في كتابه الشهير.. في زمن أجهزة التليفزيون ثلاثية الأبعاد في الصورة لدينا برامج أحادية البعد في المضامين.. الاغتيالات المعنوية أصبحت سلوكاً رائجاً وممارسة طبيعية.
نحن في زمن أما تتفق معي او نحن اعداء.. حواراتنا المجتمعية عقيمة، وكلها خناقات، وتقطيع هدوم.. صفات الخيانة والعمالة والتآمر جاهزة لمن يخالف في الرأي ولمن يعبر عن وجهة نظر لا تتفق مع وجهة النظر السائدة.. كل منا يشعر بأن صدره أصبح ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء عند سماع مالا يروق له أو يختلف مع توجهاته.. الاختلاف مصدر تهديد، ومصدر لقطع الود وهوانه علي كثيرين منا.
كنا نؤمن سابقاً ونطبق المبدأ الإنساني »التمس لأخيك سبعين عذراً»، وإذا بلغكَ عن أخيكَ شيءٌ فالتمسْ له عذرًا، فإنْ لم تجدْ له عذرًا فقلْ: لعل له عذراً ». وكنا نردد مع المسيح قوله »أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلي مُبغِضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم»، وكنا نردد مع أمير الشعراء شوقي قوله » اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، ومع فولتير مقولته الشهيرة » أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك».. كنا نردد هذه المقولات ونعتقد يقيناً فيها، لا أقول في زمن التسامح الجميل كما نطلق هذا التعبير علي كثير من مجالات الحياة، ولكن حتي وقت قريب كنا نقبل بعضنا البعض، ونري في الاختلاف ميزة وقوة.
في يقيني أن الهند هي أعظم دولة في الوجود الإنساني.. أكثر من ألف لغة، وعرق، وديانة، وهوية اجتماعية، ورغم ذلك الاختلاف فإنهم غير متفرقين.. يجمعهم الوجود الإنساني.. تماماً كما كانت مصر وغيرها من الدول العربية في وقت من الأوقات.. ومن أجمل ما قرأت ما قاله زعيمها الشهير المهاتما غاندي » الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلي العداء وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء» !!