المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
سوءة الهيئات الإعلامية
ثلاثة تصريحات تتعلق بالهيئات الإعلامية صدرت فى يوم واحد، أعتقد من الضرورى التوقف أمامها، الأول صدر عن لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، أما الثانى والثالث فقد صدرا عما يسمى المجلس الأعلى للإعلام، فى إطار إسهال التصريحات التى تصدر بصفة يومية من المجلس ومن الهيئة الوطنية للصحافة بصفة خاصة، دون أى فاعلية على أرض الواقع لهذه الهيئات منذ صدور قرار إنشائها قبل سبعة أشهر حتى الآن، سوى التصريحات، وهدر المال العام.

التصريح الأول صدر عن النائب جلال عوارة، وكيل لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان، جاء فيه: إن الهيئات الإعلامية التى أُنشئت مؤخراً، جاءت لتطوير مهنة الإعلام والصحافة، ولكن لا توجد محاسبة لتلك الهيئات، فرغم أن أموالها من الشعب المصرى إلا أن لها استقلالية عن السلطة التنفيذية وفقاً للدستور، مؤكداً أنه تقدم لمجلس النواب بمشروع قرار لوضع تبعية هذه الهيئات للمجلس، من أجل مراقبتها والحفاظ على أموال الشعب.

التصريح الثانى ورد على لسان أحد أعضاء المجلس الأعلى للإعلام، جاء فيه: إن المجلس سوف يصدر، خلال الفترة المقبلة، قراراً بحظر بث أخبار المعارك الحربية، أو العمليات الإرهابية، دون الرجوع إلى الجهات المختصة، وهو ما يتم اتباعه فى العالم أجمع، مشيراً إلى أن المجلس الأعلى للإعلام لا يفرق بين الإعلام العام والخاص، وليس هناك أحد فوق القانون.

التصريح الثالث صدر أيضاً عن أحد أعضاء المجلس الأعلى للإعلام، جاء فيه: إن المجلس يحاول التواصل عبر الجهات المختصة لبحث إمكانية منع الترددات التى تستخدمها قناة الجزيرة، عبر أقمار صناعية أخرى، من الوصول إلى النايل سات بترددات شبيهة، تمكن تلك القناة من الوصول للبيت المصرى والبيوت العربية، وهو عمل غير أخلاقى، مشدداً على أن كلاً من مصر والسعودية والإمارات والبحرين تسعى للضغط دوليا لتحجيم دور قناة الجزيرة.

أعتقد أننا لسنا بصدد ثلاثة تصريحات، بقدر ما نحن أمام ثلاث كوارث، الأول منها يتعلق بوجود هيئة أو هيئات فى بر مصر خارج إطار الرقابة المالية والإدارية، وذلك بحكم الدستور للأسف، وقد يكون الهدف فى البداية سامياً، وهو رفع الرقابة عن هذه الجهات بمعناها المتعلق بحرية الرأى والتعبير والنشر وحقوق الإنسان، إلا أنه كما هو واضح تم إهدار هذه المعانى بفعل هذه الهيئات نفسها، كما ورد فى التصريحين الآخرين، وربما يدلل على هذا التسيب المالى والرقابى وجود رئيس إحدى هذه الهيئات ضمن الصحفيين المشاركين فى تغطية دورة اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة بنيويورك، دون سبب واضح، ودون أن يوضح حتى الآن الجهة التى أنفقت عليه.

أما ما يتعلق بالتصريح الثانى، فقد بدا واضحاً أن أعضاء هذه الهيئات قد نسوا أو تناسوا أن مهمتهم الأساسية هى الانحياز للمهنة، بمعنى تسهيل الوصول إلى المعلومة وليس تعويقها، من جهة أخرى فإن كل دقيقة تمر دون حصول المواطن على المعلومة مباشرة، يقابلها عشرات المعلومات من وسائل إعلام خارجية، التى سوف يلجأ إليها المواطن مباشرة، للوقوف على حقيقة الأحداث، ومن مصادرها الأصلية أيضاً، التى تأتى عادة تحت اسم مصادر مطلعة ومصادر موثوقة، دون ذكر الاسم، مادامت هناك ديكتاتورية إعلامية من أى نوع.

التصريح الثالث المتعلق بقناة الجزيرة هو الأكثر سوءاً، ذلك أنه عمد إلى تعرية سوءة الإعلام المصرى، التى لم تعد تفلح لتغطيتها كل أوراق شجر الغابات، وهى السوءة المتعلقة بفشل مئات القنوات التليفزيونية المحلية فى مواجهة قناة وحيدة، فكان ذلك القرار بإغلاق مكاتبها، ثم بوقف استقبالها، ثم الحديث الآن عن مطاردة الترددات الشبيهة، ثم وثم وثم، بما يؤكد الإصرار على الفشل، بدلاً من المواجهة بأساليب علمية وإعلامية ومنطقية وأخلاقية تجعل من الجزيرة أمراً هامشياً، من خلال إعلام قائم على الصدق، وليس إعلام الهيئات.

وكيل لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان كان واضحاً حينما قال إن الهدف من إنشاء هذه الهيئات هو تطوير مهنة الإعلام والصحافة، أما وقد مضى نحو سبعة أشهر على إنشائها، فى الوقت الذى يتزايد فيه التردى المهنى على كل الأصعدة، فإن هذا يؤكد أن هناك أمراً ما خطأً، خصوصاً على صعيد المؤسسات الصحفية الحكومية، ذلك أن هذه المؤسسات مازالت تستنزف خزينة الدولة بصفة شهرية، وهو ما لا يتوافق مع دولة تدعى الفقر، فى الوقت الذى استمر مستوى التوزيع متدنياً إلى أبعد حد، كما لم تحاول هذه الصحف، أو بمعنى أدق لم تستطع، الارتقاء بمستوى المهنة إلى الحد الذى ينشده المواطن، أما على مستوى القنوات التليفزيونية فحدث ولا حرج، وهو الأمر الذى يوجب على الهيئات الثلاث مجتمعة إعلان فشلها، وقبل ذلك الإفصاح عن أوجه الإنفاق فيها، وقبل كل ذلك الإيمان بأنها هيئات إعلامية، تنحاز للمهنة والمواطن وحق المعرفة، وليست جهات أمنية تدار بعقلية عواجيز الاتحاد الاشتراكى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف