المساء
محمد أبو الحديد
منـاوشـات - بريطانيا .. بين وعد بلفور .. ووعد الدولتين
ليس غريباً أن تفخر بريطانيا بأنها صاحبة وعد بلفور الذي صدر أول نوفمبر عام 1917 وأعطي أرض فلسطين لليهود. وأقيمت علي أساسه دولة إسرائيل عام 1948. وأطلق عليه عبدالناصر أدق وصف. وهو أن من لا يملك أعطي وعداً لِـمَن لا يستحق.
ليس غريباً أيضاً أن تقرر بريطانيا بقيادة رئيسة وزرائها تريزا ماي أن تقيم احتفالا بالذكري المئوية لهذا الوعد باعتباره أحد إنجازاتها التاريخية.
هذا وفاء نادر من بريطانيا لأسوأ ما في تاريخها.
وهو ليس حالة الوفاء الوحيدة.. فبريطانيا التي أنشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في مصر خلال احتلالها لأراضينا. لا تزال أيضاً علي وفائها للجماعة.. حتي أن لندن أصبحت أشهر وكر عالمي للجماعة وقياداتها علي مر العصور وحتي اليوم.
بريطانيا فخورة بتراثها الاستعماري في زمن تعيد دول كانت استعمارية في الماضي. النظر في تراثها المشابه. وتراجعه. وتعتذر عن بعضه للشعوب التي تضررت منه.
بريطانيا فخورة بأنها احتلت دولاً. وأذلت شعوباً. وقسَّمت أقاليم. وطبقت سياسة "فَـرِّق تَسُدْ" لإشعال الفتن وتأجيج الصراعات في منطقتنا وفي غير منطقتنا.
إن إعلان بريطانيا فخرها بأنها صاحبة وعد بلفور. وعزمها الاحتفال بمئويته. لا يماثله إلا أن تعلن ألمانيا مثلاً فخرها بأنها مهد النازية. وأن تحتفل بمئوية صعود هتلر إلي موقع القيادة فيها. وهو ضرب من المستحيل. لأن الشعوب النقية المحبة للسلام لا يُشرفها ما يلوث ماضيها من عنصرية. ولا تحتفل بحدث تسبب في هلاك الملايين.
إن وعد بلفور لم يكن ذا وجه واحد.. إن أحد وجهيه هو قيام دولة إسرائيل.. أما الوجه الآخر فهو تشريد شعب فلسطين. وتحويله إلي لاجئين. واحتلال أرضه. وإهدار حقوقه. وقتل أبنائه.
ليس هذا فقط. فإن وعد بلفور هو الذي أشعل الصراع العربي الإسرائيلي الذي سيطر علي الشرق الأوسط. ومازال حتي اليوم وأدي إلي حروب 48 و56 و67 و1973. وما ترتب عليها من دماء وكوارث وتخلف اقتصادي وإهدار لموارد بشرية ومالية هائلة لشعوب المنطقة.
فهل تفخر بريطانيا بذلك. وتحتفل بوجهي عملة وعد بلفور معاً. وتحرك عدائيات قديمة في وقت تسعي فيه المنطقة إلي السلام. وإنهاء الصراع؟!!
لقد كان الأحري ببريطانيا. إن كانت لا تجرؤ علي الاعتذار للشعب الفلسطيني والشعوب العربية عما سببه لها هذا الوعد من آلام. حتي لا تغضب إسرائيل. أن تعلن ـ تكفيراً عن ذلك ـ استعدادها لتقديم كل الدعم والمساندة لوعد "الدولتين" الذي استقر المجتمع الدولي علي أنه الحل الوحيد الأنسب للقضية الفلسطينية. ولتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل. وصدر به قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947.
لقد مضت ثلاثون عاماً. ما بين صدور وعد بلفور عام 1917. وتحقيقه علي الأرض بقيام دولة إسرائيل. ساندت بريطانيا خلالها العصابات الصهيونية في كل عملياتها للاستيلاء علي الأراضي الفلسطينية اللازمة لإقامة الدولة. وطرد الفلسطينيين منها.
فهل تقدم نفس المساندة اليوم للفلسطينيين لإقامة دولتهم جنباً إلي جنب مع إسرائيل. وتحقيق وعد الدولتين. علماً بأن الفلسطينيين يسعون إلي تحقيق حلمهم من خلال المفاوضات؟!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف