بوابة الشروق
عماد الدين حسين
فى قطار «الطلقة» من طوكيو إلى هيروشيما
هل يمكن لمصرى أو للعديد من الجنسيات أن يركب قطارا فى اليابان من دون أن يتذكر حال القطارات فى بلاده؟

حاولت أن أفعل ذلك لكننى فشلت فشلا ذريعا.

ركبت من محطة القطارات الرئيسية من العاصمة طوكيو إلى مدينة هيروشيما فى الرابعة والنصف عصرا.

هناك قطار كل عشر دقائق فى اليابان، وبالتالى إذا فاتك الموعد ستلحق بالتالى مع دفع غرامة بسيطة. المسافة بين المدينتين تبلغ ٨٠٩ كيلو مترات، يقطعها القطار الذى ركبته، ويسمى «الطلقة» فى أقل من أربع ساعات حيث يسير بسرعة ٢٧٠ كيلو مترا.

محطة القطارات الرئيسية فى طوكيو مدينة متكاملة، فيها كل شىء تريده من مأكولات إلى الملابس والهدايا التذكارية، وهى واسعة بشكل لا يصدق ومنظمة وكأنها جهاز كمبيوتر.
القطار يمر على مدن رئيسية تقع كلها فى جزيرة هونشو، وهى طوكيو شرقا ثم يوكاهاما وناجويا وكيوتو وأوساكا.

ولأن «الطلقة» هو الأسرع فإن سعر التذكرة حتى هيروشيما يبلغ ١٩٠٨٠ ين يابانى وهى تساوى ١٨٠ دولار أمريكى، شاملة رسوم إضافية نظرا لأن القطار هو الأكثر تميزا، كما أن الكرسى المحجوز أغلى من غير المحجوز ويسمى الحر، إضافة إلى الفرق بين الدرجات، ويقل سعر التذكرة إذا لم تجد مقعدا، فى حالة حدوث زحام وهو أمر لا يحدث كثيرا.

تحرك القطار فى موعده بالضبط، وهو نظيف بشكل لا يمكن تخيله. عندما أردت أن أعيد الكرسى للخلف قام مرافقى اليابانى بالاستئذان من الراكب الذى يجلس خلفنا وانحنى الانحناءة اليابانية الشهيرة. باب العربة وكل شىء فيها يفتح بصورة أتوماتيكية بل إن دورة المياه تعمل بالكمبيوتر.

الهدوء فى القطار أكثر مما ينبغى، للحظة ظننت أنه لا يوجد أطفال، لكن اكتشفت أنهم موجودون، بالفعل ولكن من الواضح أنهم «متربيين كويس»، أو أن السيستم سليم.

حينما ذهبت لدورة المياه لم أستطع منع نفسى من تذكر دورة قطار الدرجة الأولى الذى ركبته مع أسرتى، فى إجازة عيد الأضحى الأخيرة، ورفضت ابنتى، دخوله لأنه لا يليق حتى بالحيوانات.

أمام الكرسى، هناك لوحة إرشادات مكتوب فيها كل شىء من أول رقم الكرسى والعربة والقطار نهاية برقم تليفون الطوارئ ومكان دورة المياه ومكان سلة القمامة ومنطقة التدخين المسموح بها، وهى مساحة صغيرة للغاية فى العربة الاخيرة، وغير مسموح إطلاقا به فى الممرات بين العربات بحيث يدخل الدخان للجميع خصوصا أن غالبية أبواب القطارات عندنا لا تغلق.

لا يوجد بائعون ينادون على الكازوزة واللب والسودانى، ودعاء النجاة من عذاب القبر!!. هناك عربات نظيفة تقودها فتيات جميلات مهندمات تمر كل ساعة تقريبا. رأيت الكمسارى يمر كثيرا، مرتديا زيا أنيقا، لكنه لم يكن ينادى «ايوه تذاكر بتوع بنى سويف؟!!». لم يسألنى أين التذكرة، وحينما سألت مرافقى عن السر، قال أولا لا يمكن لأى راكب الدخول من بوابة رصيف القطار من دون أن تكون حاملا للتذكرة، وثانيا النظام يفترض فيك الصدق.

القطار مزود بكل وسائل الراحة والترفيه من أول شريط الأخبار العاجلة نهاية بالواى فاى.

وإذا لم تكن تريد النوم فيمكنك التمتع بالنظر من النافذة لمدة أربع ساعات، مستمتعا بمشهد الجبال الخضراء الشاهقة، التى تحيط بالبيوت من الناحيتين، والتى تقطعها العديد من الانفاق تحت هذه الجبال.

خلال الرحلة جاءنى تليفون من «الشروق» كنت أتكلم مع أحد الزملاء بصوتى الطبيعى ــ الذى أعتبره عاديا وربما هادئا ــ وفجأة وجدت كثيرين يحملقون فى هذا الكائن، ووقتها عرفت أن صوتى مرتفع أو بالأحرى أن أصواتهم هادئة ومهذبة أكثر مما ينبغى.

ركبت قطارات كثيرة فى بلدان متقدمة فى الغرب والشرق، لكن لم أر حقيقة مثل القطارات اليابانية حتى الآن.

نزلت فى هيروشيما فى الموعد المحدد تماما، وهى بدورها محطة منظمة، أصغر بالطبع من طوكيو لكنها شديدة النظافة والهدوء وعرفت أن القطارات لا تعمل طوال الليل فآخر قطار ينطلق من طوكيو فى الثامنة إلا خمس دقائق مساء ويصل هيروشيما مع منتصف الليل. هذا شعب ينام فى الليل ولا يشبه شعوبا كثيرة.

٩٠٠ كيلو متر مربع، لم أشعر بها على الاطلاق، فمتى نصعد إلى هذا الكوكب اليابانى أو حتى نركب داخله؟!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف