الدستور
الهام سيف الدولة
ثقافة الأمل.. أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
أقباط مصر أصبحوا ملطشة الفنانات المعتزلات مثل حنان ترك وعبير الشرقاوى
صدق من قال إن أجمل وأروع هندسة فى العالم أن تبنى جسرًا من الأمل على نهرٍ من اليأس، والمهم أن تعبره بثبات وقناعة تامة بقوته النابعة من صميم الروح، ولكن القناعة المعنوية بالضرورة لن تكفى لاجتيازه للعبور إلى شاطئ الأمان والطمأنينة، فلا بد من أن يواكبها العديد من الخطوات الإيجابية الفعالة، وبحسب ظروف ومقتضيات الحالة الراهنة التى وصَلت إليها حالتك النفسية والجسدية والروحية، ويتأتى هذا الشعور بتثبيت ركائز وأعمدة قوية لبنيان صرح «ثقافة الأمل»، الذى لا يتزعزع فى داخلك.
وقتئذٍ ستسير واثق الخطى، غير عابئ برياح اليأس، التى تهب عليك بين الحين والآخر لتثبيط الهمة، أو خلخلة أعمدة هذا البنيان فى أعماقك.
والمواجهة الحتمية تكون أجدر وأشمل بالتفاؤل القوى وقناعاتك الواثقة باجتياز ومجابهة كل الصعاب والحواجز، دون تذمُّر أو امتعاض، والتفاؤل يُعد بمثابة المعادل الموضوعى للأمل أو الصبر، فالتذمُّر والقنوط يجعلانك ترى أن للورد أشواكًا، على عكس المتفائل، فإنه يرى أن فوق الشوك وردًا مزهرًا، والبون شاسع بين هذا وذاك.
وصحيح أن الضغوط الحياتية وضآلة الإمكانات أو عدمها تضربان بمعول الإحباط فى جدران النفس البشرية، لتصيبها بالشروخ والتصدعات التى قد لا تُجبر أو تلتئم على المدى القصير أو الطويل، ولكن العزائم لا تخور أو تهون، إذا تسلح الإنسان بثقافة الصمود والأمل، واتخذ الصعوبات منصات للانطلاق نحو الأمام، دون النظر إلى الماضى الذى كان واندثر، مع ضرورة الوقوف مع النفس لدراسة جميع العوامل التى أدت إلى الإخفاق والفشل، حتى يتلافى التعثر فيها مرة أخرى.
فالفلاح بالفطرة ينثر البذور فى أعماق الطين، وينتظر على أمل الحصاد وجنى الثمار، فإذا ما أصيبت زراعته بالتلف نتيجة أمراض الأرض والبيئة، فإنه لا يتوقف عن معاودة الزراعة مرة أخرى، بعد أن يحاول الوقوف على أسباب الفشل فى المرة السابقة، ويدرس مجددًا تركيبة التربة ونقاء البذور ومصادر المياه وكفايتها لزراعته، وبهذه المثابرة يجنى أجود الثمار، لأن قطار الحياة لن يتوقف، وسيدهس فى طريقه كل من يتقاعس عن اعتناق فلسفة الأمل وثقافته. وهذه الثقافة لا تجىء بالصدفة أو بضربات الحظ، وإنما تحتاج إلى تدريب شاق للنفس لاكتسابها وتقويتها عند كل منعطف وعر فى حياة الإنسان، والإيمان المطلق بأن الإحباط واليأس ينبعان من داخلنا، ولماذا نبتئس ونيأس، والله- جل شأنه- خلقنا على الفطرة السليمة النقية والسويَّة، فقال لكل مؤمن فى كتابه العزيز: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ»؟، فهذا التساؤل لم يأتِ به الله ليستمع إلى الإجابة، ولكنه أتى للتنبيه على الوجود الدائم للمصباح المنير فى أعماقنا، فلا نطفئ ذبالته بالتشاؤم واليأس فى رحلة الحياة.. من المهد إلى اللحد.
ولعلنى ضربت المثل بهذه الثقافة عند الفلاح، كنوع من تقريب الصورة للأذهان لنلتقى فى نقطة سويًا، فهناك العديد من الأمثلة والمواقف التى توضح ضرورة التمسك بهذه الثقافة، واتخاذها سُلَّمًا لنرتقى به فى دروب الحياة ومسالكها، فلولاها ما نجح «الثوار» والحالمون بالحرية والحياة الأفضل فى شتى بقاع العالم، فى القضاء على مظاهر الفقر والجهل والمرض والجوع فى بلادهم، جراء تحكُّم السلطات القمعية الجائرة فى حق شعوبهم.
ولولا وجود الأمل فى النصر داخل عقيدة الجندى المحارب، لما خاض المعارك الدامية، وهو يعلم يقينًا أنه سيدفع حياته ثمنًا لهذا النصر المنتظر، كى يمنحه لمن يعيشون بعده من أجيال أولاده وأحفاده وبنى وطنه أجمعين.
وتبقى المهمة الصعبة فى طريقة وكيفية احتواء وامتلاك هذه الثقافة فى روحنا وسلوكياتنا، فهى ليست قطعة من الديكور نضعها فى ركنٍ من الأركان، ولا لوحة زيتية لفنان نزيِّن بها الجدران فى حجرة استقبال الضيوف للتباهى والتفاخر، ولكنها نمطٌ لا يُكتسب إلا بالانتقاء الفطرى والانفتاح الواعى على مختلف الثقافات والفنون الإبداعية بكل أشكالها من الموسيقى والشعر والأدب والمسرح، وقديمًا قالوا: «اعطنى خبزًا ومسرحًا.. أعطِك شعبًا عظيمًا يصنع التاريخ ويغيِّر معالم الجغرافيا».
والثقافة لا تعنى الدرجات العلمية ولا الكرافتات الشيك ذات الدبوس الذهب، ولا الورد الأحمر والقرنفلات على الصدر، فكم من فلاحٍ بجلبابه البسيط، نشاهده فى حقله مقبلًا على الحياة، مشمرًا عن ساعديه تحت سياط الشمس الحارقة منشرح الصدر هانئ البال ومنشدًا أعظم أغنيات الفرح والحبور، وصادحًا كما الطيور المغردة على أفنان أشجاره ونخيل حقله!.. عند الظهيرة نراه قابعًا فى ظل هذه الأشجار مع كِسرة خبز مقدد وقطعة من الجبن معدوم الدسم، ولكنه يشيع، وينثر عطر التفاؤل والأمل على كل من حوله، رغم كل مظاهر الفقر التى تحيط به، وتمسك بخناقه، مرددًا بكل الثقة والإيمان القلبى من آيات القرآن الكريم: «وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» سورة يوسف: ٨٧.
ويردد من مزامير الكتاب المقدس: «اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِى». المزامير ٣٧: ٣- ٥.
فلتنشرحوا صدرًا، ولتهنأوا بالًا، ولتأملوا خيرًا فى الله والوطن وفى غدٍ ملؤه الأمل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف