المصرى اليوم
سيلفيا النقادى
ثقافة الخوف.. ثقافة الصمت!
حديث الغرب عن سقوط هارفى وينشتاين، المنتج السينمائى الأمريكى الشهير والثرى، أحد ملوك هوليوود وأكثرهم قوةً وسلطةً ونفوذاً، لا ينتهى بعد أن سقط بدوار إلى الهاوية، ليتخلى عنه الجميع من شركائه.. من زوجته.. أصدقائه.. وحتى أكبر السياسيين الذين كان يغمرهم بماله خلال حملاتهم الانتخابية، وذلك بعد أن تعرض لفضيحة كشفت عن جرائمه اللا أخلاقية، مستغلاً فى ذلك مكانته ووضعه وسطوته، ومبتزاً لضعيفات محتاجات يتطلعن لمستقبل من الفن والشهرة داخل أروقة ودهاليز هوليوود ونجمها الساطع.

يسقط ملك هوليوود وتسقط معه ملايينه وتكثر سكاكينه بعد صمت 40 عاماً تعرض فيها الكثير من نساء هذه المدينة الساحرة الشهيرات لأقذر وأشرس وأخطر أنواع التحرش والابتزاز الجنسى من قبل هذا الخنزير الذى لم يرحم ضعفهن واحتياجهن المشروع للطموح والعمل، ومن ثم الخوف من النيل منه أو فضحه وإلا يكون مصيرهن العزل والاستبعاد، ولكن يبدو أن الصمت له أيضاً حدود.. يبدو أن جروح المهانة والذل وما ينتج عنهما من ضغوط نفسية لهما أيضاً صبرهما.. ويبدو أن الوعاء الساخن الذى استمر يغلى لسنوات وسنوات قد حان وقت إزاحة غطائه للكشف عن هذه الأسرار التى اختزنت بداخله طوال هذه المدة!!

إنه هذا الصمت المؤلم المهين الذى تتكبده نساء كثيرات يتعرضن لهذا التحرش وهذا النوع من الابتزاز الذى يمارسه القوى على الضعيف.. إنها ثقافة الخوف وثقافة الصمت من عار المواجهة والتصدى والبوح أو الإبلاغ عن هذه الممارسات خوفاً من لوم الضحية أو عدم تصديق بلاغها أو تعرضها لأبشع أنواع الاتهامات المهينة، من مجتمع يرغب الكثير منه النيل من نسائه وتحقيرهن.

وبصفة خاصة فى المناطق النامية، ظاهرة التحرش الجنسى ظاهرة عالمية، ليست مصر التى تعانى منها وحدها، والقضية هنا ليست من أجل الحديث عن التحرش بقدر ما هى فتح الباب حول ثقافة الصمت التى يحمل ثقلها الكثير على أكتافهم.. ثقافة يزرعها ويغذيها كل من له مصلحة أن يُصمِت فيها أفواه الآخرين ويرعبهم من خلال سلطته وسطوته.. يحدث ذلك كل يوم، فى الشارع.. فى العمل.. فى الأسرة.. وفى المدرسة.. يحدث ذلك فى الدول التى تغذى عقول أبنائها منذ نعومة أظافرهم بأن حرية الرأى والتعبير لها معايير حذرة يصعب تخطيها، وإلا يتعرض أصحابها للمحاكمة من قبل مجتمع أو دولة رسخت فكر الخوف فى قلوب أبنائها.. وعندما قرروا فتح النوافذ والأبواب، متحلين بمعانى الديمقراطية والتحضر وحقوق الإنسان، وجدوا أن الأوان قد فات، وأن ثقافة الخوف والصمت قد زرعت فى القلوب، وأن هذه المعانى ما هى إلا معايير مزدوجة.. معايير حذرة مرة أخرى!!

وعلى كل حال، الصمت له وجوه كثيرة، ليست كلها نابعة من ثقافة الخوف، ولكنها لغة أعلنت أحياناً اليأس من الكلام والرفض فى التجاوب واستكمال القبح الذى يخرج من الأفواه.. إنها لغة العقلاء الذين يعرفون متى يصمتون ومتى يتكلمون!!..

لذا فأنا واحدة من هؤلاء الذين يرون شماخة وقوة فى الصمت.. أرى فيه الشجاعة، وأرى فيه تعبيراً يعجز الكلام عن قوله كثيرا، لهذا فأنا أتوحد مع هؤلاء الصامتين فى لحظة الحداد.. وأتوحد مع غيرهم فى لحظات الصمود الهادئ أمام أى نوع من البطش أو الطغيان.. وأؤمن بالمثل الذى يقول: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب».. أتوحد مع الذين صمتوا لعِزّة النفس والكبرياء.. وأقف باحترام للصمت الناتج عن العجز والأقدار!! ولكننى فى النهاية أنضم لصفوف هؤلاء الصامتين الذين يؤمنون بأن قوة الصمت تكمن أيضاً فى هذا السلاح النبيل الذى لا يضغط على زناده إلا عندما تكون الأسباب شجاعة ونبيلة أيضاً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف