فيتو
محمد حبيب
في معية يوسف (٢٩)
احتفى الإسلام بالعلم لمنزلته ومكانته الرفيعة ودوره في حياة الأمم والشعوب، إذ لا يمكن إحراز تقدم أو نهضة أو إنجاز في أي مجال من المجالات إلا بالعلم.. لذا رفع الله تعالى قدر العلماء، فقال «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات».. ولأن العقل هو السبيل إلى العلم والمعرفة، فقد جاء في الكثير من الآيات ما يحض على استخدام العقل في كل ما يعن لنا من أمور، لكن للأسف، كثير من البشر مغيبون، وهؤلاء حكى الله عنهم، فقال «أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها»، وقال أيضا «أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون»، وقال كذلك «قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون»، وغير ذلك من الآيات..

والملاحظ أيضا أن القرآن الكريم كثيرا ما يلفت أنظارنا إلى ضرورة التفكر والتدبر في كل ما خلق الله؛ من مجرات، وشموس، وكواكب، وأقمار، ومحيطات، وبحار، وأنهار.. ألخ، لما لذلك من أثر مباشر على الإيمان به وتوحيده.. بل إنه يلفت انتباهنا كذلك إلى النظر في سير الأولين لنأخذ العظة والعبرة؛ فيقول تعالى «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» يعنى هؤلاء المكذين لك يا محمد (صلى الله عليه وسلم)، أفلم يسيروا ويسيحوا في الأرض، فينظروا نظر تفكر وتدبر إلى ما حل بالأمم السابقين ومصارع المكذبين، فيعتبرون بذلك؟ وبالتالي على الإنسان أن يدرك جيدا أن هناك تاريخا مليئا بالأحداث ترجع إلى بداية الخليقة.. ولنتأمل - مثلا - قوله تعالى «واتل عليهم نبأ ابنى آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين»..

إنها التقوى التي تمثل ميزان القبول عند الله من عدمه، لذا قال تعالى «وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا» أي وكما نجينا المؤمنين في الدنيا كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الآخرة وهي خير لهم من هذه الدار الفانية.. ثم يقول «أَفَلَا تَعْقِلُونَ» أي أليس لديكم عقول تفكرون بها، فتؤمنون؟! «حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ» أي يئس الرسل من إيمان قومهم، مثل قوله تعالى «وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله»، وكما يشير قوله «وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا» أي أيقن الرسل أن قومهم كذبوهم «جَاءَهُمْ نَصْرُنَا» أي آتاهم النصر عند اشتداد الكرب، واستحكام الشدة، ولم يعد هناك أمل في غير الله سبحانه وتعالى.. في هذه اللحظة يجيء النصر كاملا حاسما فاصلا «فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ» أي فنجينا الرسل والمؤمنين بهم دون الكافرين «وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» أي ولا يرد عذابنا وبطشنا عن المجرمين الذين استكبروا وساروا في طريق الضلال وفضلوا الكفر على الإيمان..

ثم يقول تعالى «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ» أي لقد كان في قصة يوسف وإخوته عظة وتذكرة لأصحاب العقول المتفتحة «مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى» أي ما كان هذا القرآن أخبارا تروى أو أحاديث تختلق «وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» أي مصدق لما سبقه من الكتب السماوية المنزلة من قبل «وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ» أي تبيانا وتوضيحا وشرحا لكل ما يحتاج إليه من أحكام الحلال والحرام، والشرائع والأحكام «وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» أي وهداية من الضلالة ورحمة من العذاب لقوم يصدقون به ويعملون بأوامره ونواهيه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف