الوطن
سحر الجعارة
جامعات «منع الغرائز من المنبع»
يمكنك أن تتعامل مع اقتراح النائب «عبدالكريم زكريا»، عضو مجلس النواب، بتوحيد زى الطلاب فى الجامعات المصرية بشكل ساخر وتعتبره مجرد رؤية رجعية لشكل الدولة العصرية، (التى نظنها مدنية)، ويمكن أيضاً أن تقف لتراقب الهجمة الشرسة فى كل الجامعات على أزياء الشباب، بزعم حماية «الأخلاق والفضيلة»، رغم أنها نفس الجامعات التى لم تحم رؤساءها وعمداءها من «شماريخ» طلاب «الإخوان»، ولم تنشر التنوير لتواجه الأفكار السلفية التى جعلت الجامعات مقراً لبعض التنظيمات المتطرفة، وهى نفس الجامعات التى تحتاج مناهجها وطرق «التلقين» فيها إلى حالة «نسف»، بعدما خرّبت منظومة التعليم عقول أجيال وأجيال!

فجأة أصبح «البنطلون المقطع» حديث الساعة، الدكتورة «حنان يشار»، عميد كلية التربية النوعية بجامعة المنوفية، قالت إن مجلس الكلية أصدر قراراً بمنع دخول الطلاب والطالبات الذين يرتدون الملابس غير اللائقة مثل البنطال المقطع، وقصات شعرهم الغريبة.. لكن «يشار» لم تتحدث عن منع المنتقبات -مثلاً- من دخول الكلية، لأن هناك اعتقاداً سائداً بأن الاقتراب من «النقاب» لغم ينفجر فى وجه من يعارضه وأنه شعار «الفضيلة المزيفة» وعنوان «الحرية الشخصية»، أما «البنطلون المقطع»، وهو «موضة»، فهو دليل انحلال أخلاقى ورمز للإباحية وتحريض على «التحرش»، ولم يتبق إلا أن تدعو الجامعات المصرية للفصل بين الطالبات والطلبة أسوة بما يحدث فى «العاصمة الوهابية» التى أغرقت عقول حملة الدكتوراه بالظلام والتخلف!

عميد كلية التربية قالت إنها بصدد مواجهة ارتداء بنطلون اسمه «الشروال» أشبه ببنطلون الترنج، فلتدق طبول الحرب -إذن- ليحيا «الإسدال» ويسقط «الشروال»!

أما عميد كلية الزراعة فى جامعة الإسكندرية، الدكتور «طارق سرور»، فقد تعامل مع «البنطلونات المقطعة» بمنهج أمنى، فجاء -بحسب تصريحاته- بالعقيد «سمو الدين مصطفى»، قائد وحدة الأمن بالكلية، وطلب منه «إصدار تعليمات مشددة لأفراد الأمن على البوابة بعدم دخول أى طالبة ترتدى ملابس غير محتشمة وتثير غرائز الشباب وتدعو للتحرش بهن من جانب الطلاب»!

«سرور» قرر «منع الغرائز من المنبع»، ولا أدرى كيف سيطبق فكرته الجهنمية، هل سيحقن الطلبة والطالبات بمصل يخفض الهرمونات والخصوبة، أم سيحقق «معجزة» ويحولهم إلى «جنس ثالث» أو «مسخ» بلا مشاعر أو غرائز أو نضج جسدى؟! وهل هذه جامعة أزهرية أو دينية أم أنها مملكة خاصة سيفرض عليها «الشيخ سرور» منع السفور، وما يرى أنها «التقاليد الدينية الصحيحة والقيم الجامعية»، خاصة بعد أن تحول من عميد إلى مؤسس لهيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، وقرر أن ملابس الشباب «تخالف الشرع والدين وتدعو إلى التحرش»!

ليس من حق عميد كلية الزراعة أن يفرض عقده النفسية وهواجسه الجنسية على الشباب، وإن كانت ملابس الشباب تحرك شيئاً ما فى عقله أو فى جسده فهذه مشكلته، وليست «حالة عامة» يحاصرها الأمن الذى اعتمد أوراق الدكتور «سرور»!

فى كلية الحقوق جامعة طنطا كان المشهد أسوأ، «محمد مناع» قرر أن يفاجئ خطيبته بإعلان خطبتهما وسط زملاء الجامعة، وأعدّ المفاجأة دون علمها بعمل احتفال لها فى الجامعة، وقال (فى برنامج العاشرة مساء) إنه قام بقراءة فاتحته منذ أكثر من شهر وإنه قام بحضن خطيبته، ثم اعترف بخطئه، وطلب العفو من عميد كلية حقوق، مؤكداً أن مستقبله سوف يضيع بعد قرار فصله من الجامعة هو وآخرين شاركوه الاحتفال، فقد تحركت هيئة «النهى عن الحب»، وأعلن القائم بأعمال رئيس جامعة طنطا، الدكتور «إبراهيم سالم»، تحويل طلاب واقعة الخطوبة فى حرم الجامعة إلى التحقيق، مؤكداً أن العقوبة قد تصل إلى «الفصل» بعد قيام الطالب والطالبة بإعلان خطوبتهما أمام طلاب كلية الحقوق.

حتى لو كان ما قام به «محمد» فعلاً فاضحاً فهل تكون العقوبة ضياع مستقبله، ويتم تحويله إلى النيابة، وكأنما قرر العميد تحويل «الطالب» إلى «مجرم»، لأنه دنس «الحرم الجامعى» بحضن برىء فى وسط مجموعة تحتفل بالخطوبة!

وكأن السادة حماة الفضيلة لا يعرفون أن طلبة الجامعات الأجنبية فى مصر لا يصافحون بعضعم البعض، بل يقبّلون الزميلات، ولا يعلمون بانتشار «الزواج العرفى» داخل الجامعات، ولا بالمخدرات التى تباع علناً داخلها، ويغمضون أعينهم عن الأساتذة ممن يتحرشون بالطالبات، أو يتلقون «رشوة جنسية» مقابل تسريب الامتحانات!!

مأساة الجامعات المصرية أنها ترفع شعار السجون «التعليم إصلاح وتهذيب»، لكنها لا تربى عقولاً ولا تخرج أجيالاً مؤهلة للقيادة أو حتى لسوق العمل!

انعموا بمناصبكم.. لكنها زائلة، أما حيوية الشباب وطاقته وإرادته وحبه للحياة فباقية.. لن تحجروا على قلوبهم، ولن تصادروا أحلامهم، ولن تمنعوا الغرائز من المنبع.. حتى لو حولتم الجامعات إلى سجن كبير!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف