المصرى اليوم
أحمد الصاوى
. ولماذا لا يرفع الكردى علم إسرائيل؟!
يتعامل العرب مع العالم، كل العالم، على أنه أحد جنوده المخلصين، أو هكذا يُفترض أن يكون، ومن ذلك يكون الحكم على أفعال هذا العالم من منظور القضايا العربية، فما توافق معها فهو شجاع وعظيم وإنسان، وما تنافر معه فهو خائن وعميل ومتآمر.

من هذه الذهنية، وضع البعض كل تركيزه على ملمح العلم الإسرائيلى الذى ارتفع فى سماء أربيل، من بين الملامح الشتى التى فرضها الزلزال الجيوسياسى الكردى فى المنطقة باستفتاء الاستقلال بشمال العراق لتأسيس دولة كردستان التى ناضل الأكراد لإيجادها أجيالاً وراء أجيال.

إحدى الصحف وهى تحاول إدانة «الإدارة الكردية» بالعمالة لإسرائيل حاولت أن تثبت متانة العلاقات بين أربيل وتل أبيب، ومضت تعدد أوجه التعاون الكبيرة بين إسرائيل وإقليم كردستان، وحجم المساعدات الاقتصادية والتدريبية والأمنية والعسكرية واللوجستية التى تقدمها إسرائيل إلى الأكراد، فإذا بهذه الصحيفة تقدم - وهى تقصد الإدانة - كل المبررات المنطقية التى تجعل وجود العلم الإسرائيلى فى سماء كردستان منطقيا وضروريا وغير مستغرب.

الكردى خائن بحسب الذهنية العربية التى تربّت على فكرة المؤامرة الكبرى التى تستهدف المنطقة وحدها من دون العالم.. حسناً، خائن لمن؟ للقضايا العربية؟ وما موقع الأكراد من القضايا العربية؟ الإجابة أن الأكراد مثلهم مثل أهل جنوب السودان، لم يكونوا يوماً من الأيام جزءاً من أى مشروع عربى حقيقى، لأنه ببساطة أهم مشروع عربى له ملامح محددة ظهر وظهر معه ما سمى النظام الإقليمى العربى الذى كان شبه مستقر، على الأقل حتى تسعينيات القرن الماضى قبل غزو صدام للكويت، تعامل مع الأقليات والقوميات الأخرى بقدر كبير من التربص، وقدر أوسع من إدانة كل حلم قومى حتى لو كان صغيراً وقتها، وكل رغبة فى إدارة الأوطان العربية على أساس التنوع.

لم يعترف النظام العربى أبداً بهذا القدر من التنوع الحاصل أمامه، على العكس، حاول إسكات هذا التنوع ومصادرته لصالح الاتجاه الأحادى والسياسة الشمولية والنظرة الثابتة للعالم القائمة على تقسيمه إلى فسطاطين: واحد للخير وواحد للشر، وكل من يقف معنا فى فسطاطنا فهو من أهل الخير، وكل من يناوئ فهو من أهل الشر.

بذات النظرة فى زمن سقوط النظام العربى وتفتُّت جزء غير هين من أهم مراكزه الأساسية وتَحوُّل الحدود واقعياً قبل أن يكون سياسياً إلى حدود طائفية ومذهبية وعرقية، صارت إسرائيل بالنسبة للكردى فى معسكر الخير، بينما اجتهد كل العرب ومازالوا يواصلون الاجتهاد على تعزيز أماكنهم فى معسكر الشر الواقف أمام الطموحات القومية للشعب الكردى.

لا يمكن إنكار أن العراق كان ولايزال مسرحاً لاستقطابات خارجية، لكن المؤكد أن هناك سياسات جعلت منه أرضاً خصبة لهذه الاستقطابات، يتصدرها سوء إدارة التنوع الدينى والثقافى والعرقى، وتجاهل الآخر، والتعامل معه باعتبار أن المشكلة تكمن فى اختلافه هو وليس فى عدم قبول الطرف المهيمن لهذا الاختلاف.

وجزء كبير من أزمة الكتَّاب والمثقفين العرب ونظم التعليم والسياسات الرسمية كذلك فى التعامل مع الأكراد وقيادتهم طوال الوقت، باعتبار أنهم «طابور خامس» للمؤامرات الغربية، وليست لديهم آمال وطنية، ولا خصوصية قومية وثقافية، ولا نصيب عادل فى الوطن.

النظرة الأحادية للأمور هى التى لا تجعلنا نرى الآخرين، ولا نضع أنفسنا فى مكانهم، لذلك نهمل خصوصياتهم ونضعهم فى خيار من اثنين، إما أن يذوبوا فينا، أو نجاهدهم جهاداً مقدساً، ونهيل عليهم الاتهامات بالتخوين والعمالة.. فيما هم «وطنيون» تماماً أمام شعوبهم، وهذا يكفيهم تمام الكفاية.. وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف