المصرى اليوم
محمد السيد صالح
حكايات السبت
من وحى زيارة الرئيس الناجحة إلى نيويورك، ومن لقاءاته المهمة هناك، وخطابيه أمام «الجمعية العامة للأمم المتحدة» و«مجلس الأمن»، قدمت هنا عدة ملاحظات عن الزيارة، وأمنيات أتمنى تحقيقها لكى نستفيد عن حق من النجاحات التى تحققت مؤخراً. غصت فى كواليس أزمة شهيرة عشناها فى «المصرى اليوم» قبل عامين إلى أن أُسدل الستار على فصلها الأخير هذا الأسبوع.
ملاحظات على «الزيارة»

من بين الزيارات الأربع للرئيس إلى الولايات المتحدة، جاءت زيارة الخمسة أيام التى انتهت مساء الخميس الماضى الأكثر ناجحًا.

رسائل الزيارة كانت واضحة جداً. مقابلات على أعلى مستوى، الاهتمام بمصر ومواقفها وبرئيسها كان واضحًا. ولأن ملاحظاتى على الزيارة متعددة ومتشعبة، ومن ضمنها عدد من الأمنيات التى أتمنى تحقيقها بعد عودة الرئيس، فإننى سأصوغها فى النقاط التالية:

- حسنًا ما فعلته «الرئاسة» وباقى الهيئات المسؤولة عن تنظيم الزيارة وسفر الوفد المرافق، بتقليل عدد المشاهير غير المتخصصين. أقصد الفنانين والممثلين.

- الهيئات الشعبية التى تجمعت لاستقبال الرئيس كانت الأكثر احترافًا قياسًا على الزيارات السابقة. اللافتات وعدم التعرض للآخرين. وفى المقابل توارى تواجد الإخوان وداعميهم، وقَلّ التطاول وإحراج الإعلاميين خلال هذه الزيارة..

- جهود شركات الدعاية التى تعمل لصالحنا فى الولايات المتحدة كانت أفضل من الأسابيع الماضية. هم نشطوا مع زيارة الرئيس، لكن لم نرصد لهم دوراً حقيقياً فى مواجهة تقارير الكونجرس و«هيومان رايتس» الأخيرة عن مصر.

- كلمة الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قوية ومتينة.. صياغتها راقية. أشكر فريق الرئاسة الذى يضم حالياً خليطاً متماسكاً من الدبلوماسيين والعسكريين والمفكرين، وهم قادرون على صياغة كلمة جاءت عنوانًا لمصر وتليق بمقام رئيسها وتبرز القضايا الشائكة التى تعرض لها الرئيس بكل مهارة وذكاء. لقد رصدنا نحن - وغيرنا من الصحف الزميلة - نحو ستة محاور فى هذه الكلمة عن «الوحدة فى مواجهة الإرهاب» و«تحقيق العدالة فى المجتمع الدولى بتنفيذ ميثاق الأمم المتحدة»، وأهمية دعم الدولة الوطنية الحديثة بمبادئ المواطنة وسيادة القانون وحقوق الإنسان.. إضافة إلى شرح الرئيس لمواقف مصر من القضيتين الفلسطينية والسورية.

- خروج الرئيس عن «النص المكتوب» للحديث بشكل مباشر إلى الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى بعدم إضاعة الفرصة والاستعداد لقبول التعايش مع الآخر، كان «خروجًا» محسوبًا وبذكاء. لأن الرئيس تحدث عن «تجربة مصر الرائعة والعظيمة فى السلام مع إسرائيل» - فى إشارة إلى مرور أربعة عقود على توقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل - وركز الرئيس على هذه الفكرة مرة أخرى فى حواره مع «فوكس نيوز».

- أتذكر أن الرئيس وجه خطاباً مماثلاً إلى الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى خلال زيارته العام الماضى لأسيوط، وقوبل الخطاب بردود إيجابية للغاية فى تل أبيب ورام الله.

- فى «سرية تامة»، دارت جهود مصرية وأمريكية وإقليمية لاختراق الجمود فى القضية مع وصول ترامب للبيت الأبيض، بالتوازى مع نجاح مصر فى إنهاء الخصومة بين الفصائل الفلسطينية، خاصة مع حركة حماس. وكثيرون لا يعلمون أن هذا اللقاء هو الثانى بين الرئيس السيسى ونتنياهو، حيث سبق أن التقيا فى الأردن العام الماضى.

- ربما كانت «العبارات» التى قالها الرئيس عن سد النهضة وأهمية الالتزام بمبادئ القانون الدولى والقواعد المستقرة لتنظيم العلاقة بين الدول المتشاركة فى أحواض الأنهار العابرة للحدود.. أهم ما قيل فى الخطاب. بعد سنوات من «التواصل الثنائى» أو فى إطار «حوض النيل»، يخرج الرئيس المصرى، ومن خلال منبر الأمم المتحدة، ليتحدث بقوة ووضوح عن قضية سد النهضة، ومخاطر بنائه بالطريقة التى اعتمدتها إثيوبيا وبدون الالتزام بالمعايير التى طالبت بها مصر.

«نيولوك» للنظام

أتمنى أن أرى صفحة جديدة بعد الزيارات الخارجية الناجحة للسيد الرئيس، وكذلك بعد صدور عدة تقارير إيجابية مؤخراً عن الاقتصاد المصرى وفرص تحركه للأمام. «نيولوك» فى أعلى منطقة من «النظام الحاكم». يؤلمنى كثيراً أن أجد تقارير تتحدث عن «انتهاكات فى مجال حقوق الإنسان» لدينا.

لدينا فرصة أن نفند مثل هذه التقارير، خاصة «هيومان رايتس» الأخير، ولكن ليس بالنفى المتواصل أو الصوت العالى الخالى من أدلة الإثبات، إنما بالبراهين.

سيظل هذا الملف شوكة فى ظهرنا جميعًا. لا أعتقد أن الرئيس أو رئيس الحكومة أو حتى وزير الداخلية ومعهم النائب العام يسمحون بوجود تجاوزات. لنقل للعالم إن هذا العهد انتهى تمامًا بعد ثورتين نبيلتين.. وإننا نواجه الإرهاب بالقانون. أدعو لفترة انتقالية قصيرة جداً، ومن بعدها نخرج ونؤكد للعالم كله أننا بلا أى انتهاكات فى مجال حقوق الإنسان. دولة لديها كل هذه المشروعات العملاقة فى كل مكان ستظل مثل هذه التقارير تنغص مستقبلها ومستقبل قادتها. لقد هالنى ما قرأته من أن تنفيذ وعد ترامب للسيد الرئيس بإعادة الـ 300 مليون دولار المحجوبة أو المعلقة يستلزم استثناءً من قانون «ليهى»، الذى يمنع وزارتى الخارجية والدفاع من استخدام أموال دافعى الضرائب الأمريكية لتوفير التدريب والمعدات لقوات الأمن الأجنبية التى ترتكب انتهاكات حقوق الإنسان.

العلاقة المتينة «الحالية» التى تربط الرئيسين السيسى وترامب ستنتصر هذه المرة، لكن الخبرة مع الغرب، وبخاصة مع أمريكا تحمل رسائل مغايرة. الإصلاح الداخلى ومتانة الاقتصاد وقوة المجتمع المدنى، ثم الانتصار على الإرهاب بلا انتهاكات لحقوق الإنسان هى الأصلح لنا جميعًا.

زيارتى لكردستان

زرت كردستان العراق قبل عشر سنوات تقريبًا. كنت ضمن وفد محدود للغاية. هبطت الطائرة فى مطار السليمانية، كان معظم المسافرين معنا- من مطار القاهرة- عمالا وموظفين يعملون لحساب شركة أوراسكوم العملاقة فى أحد مصانعها بكردستان. قضينا نحو عشرة أيام نتنقل من «السليمانية» إلى العاصمة أربيل إلى «دهوك» الجميلة بالقرب من الحدود التركية، وأتذكر أننا عشنا أجواء الضربات التركية العنيفة لمتمردى حزب العمال «PKK»، الذين توغلوا فى المناطق الجبلية الحدودية. رصدت فى «أربيل» و«السليمانية» تنمية حقيقية ومتكاملة. كانت نصب أعينهم تجربة «دبى» بالتحديد. المسؤولون المحليون قالوا لنا: ننتظركم بعد عشر سنوات لتشهدوا بأنفسكم أننا أصبحنا أفضل فى مجال التنمية والخدمات من كل دول الخليج. وفى نظرى لديهم كل الحق فى ذلك: وفرة المياه، وموارد بترولية، وقوى عاملة معقولة فى مستواها التعليمى والتدريبى. لديهم سماحة دينية غير عادية ولا نظير لها فى منطقتنا إلا فى لبنان فى سنوات سابقة. كل الديانات والطوائف كانت تتآلف وتتآخى فى البرلمان المحلى. الإيزيديون مع الطوائف المسيحية مع الصابئة إلى جوار السنة والشيعة بدون أى منغصات أو تفرقة. تذكرت هذه الصورة الآن، بعد عشر سنوات، كما تنبأ السياسى الكردى، لكن الصورة مقلوبة تمامًا وعن عمد: كل المتطرفين فى المنطقة تآمروا على استقرارها وعلى شعوبها المسالمة، «القاعدة» ومن بعدها «داعش» دمروا وبأجندة محسوبة كل فرص الترقى فى دول المنطقة. وبعد أن توارت داعش مؤقتًا إلى الخلف، ظهرت النعرات الانفصالية القديمة. أنا قرأت كثيراً عن «الحق الكردى» فى الاستقلال. منطق أصدقائى هناك: إذا كنتم تتحمسون لحق تقرير المصير للفلسطينيين، فلماذا ترفضونه لنا؟!. جملة موجزة، أعتقد أن الردود عليها ممكنة ومتاحة، وذلك قبيل موعد الاستفتاء المقرر له الاثنين المقبل. وأتمنى ألا يتم ذلك رحمة ورأفة بهذا «الإقليم» الذى نحبه، كما نحب الشعب الكردى، والذى أنبت عظماءً عشقناهم فى مصر وفى كل العالم. وأعتقد أن رئيس الإقليم مسعود البرزانى ومعه كل العقلاء يعلمون أن دول الجوار، وبخاصة تركيا وسوريا وإيران- ومن قبلهم العراق- لن يقبلوا بالانفصال. أتمنى أن تُغلق هذه الصفحة حاليًا.. وأن يتم البحث عن بديل سياسى آخر تتحقق معه التنمية والسلام للجميع.

الفقى فى المكتبة

لا أريد أن «أحرق» ما قاله لنا الدكتور مصطفى الفقى، المفكر السياسى، مدير مكتبة الإسكندرية، فى لقائنا الممتد معه. لكننى كنت حريصًا على تلبية دعوته، مثلما فعلنا من قبل مع مدير المكتبة السابق الدكتور إسماعيل سراج الدين قبل ستة أشهر تقريبًا، كنت وزملائى تشغلنا أسئلة محورية عن أفكاره للمكتبة، هل يتغير الأداء الفكرى والمجتمعى، وهل سيكون لها دور سياسى بعد «الحياد الإيجابي» الذى تميزت به مع «سراج الدين»؟

لكن الحوار مع «الفقى» يكون دائمًا له نكهة مختلفة. الرجل لديه الجديد دائمًا. سنوات عمره التى قضاها فى «الخارجية» وسفارات مصر بالخارج ومحاضراً فى الجامعات، وكاتبًا مرموقًا وصولاً لموقعه الحالى نسجت فى عقله «سيمفونية معرفة» فى كل المجالات. عندما قلت له «أنت أفضل حكاء» فى العالم العربى.. داعبنى بالقول: «هل هذا مدح أم ذم؟». تربطنى بالفقى علاقة إنسانية، أشكره عليها، كتب مقدمة كتابى «أسطورة القصر والصحراء» عن أحمد حسنين باشا. وقال لى إنه استمتع بقراءة الكتاب. له ذكريات لطيفة و«قوية» مع السيد عمرو موسى.. تحدث عن مذكراته «كتابيه» بكل وضوح وجرأة.. قال لنا ملابسات مواقف كتب عنها «موسى» فاتضحت لنا الصورة بشكل أوضح. لا أريد أن «أحرق» الزيارة والحوار، والذى تطرق فيه أيضًا إلى زيارة الرئيس السيسى للمكتبة قبل عدة أسابيع. مرة أخرى، أشكره ومن بعده الصديقين المحترمين الدكتور خالد عزب والدكتور سامح فوزى على إنجاح زيارتنا.

دياب و«البراءة»

بدأت خطواتى فى إدارة «المصرى اليوم» كقائم بأعمال رئيس تحرير قبل عامين، تقريبًا مع اتهام قوات الأمن فى محافظة الجيزة للمهندس صلاح دياب بحيازة سلاح نارى وذخائر دون ترخيص. كانت الأمور ضبابية وغريبة.. لم أعهد أنا ولا أصدقائى فى صالة التحرير قضية مماثلة. لمن نلجأ ونحن لا نعلم من أين يأتى الخطر. استيقظت صباح 7 نوفمبر 2015 على من يبلغنى الخبر.. صعقت لثوانٍ، وقبل أن أنطق طلب منى «المتصل» الدخول إلى موقع إخبارى منافس لرؤية صور القبض على «المهندس صلاح ونجله توفيق» بالكلبشات. يا إلهى من يملك كل هذه الشماتة والقسوة لتوزيع هذه الصور فى دقائق لقضية تافهة ولاثنين من المشاهير؟!. كانت تجربة عصيبة.. لكنها كانت مفيدة للغاية. عرفنا فيها الصديق من العدو. «النقابى الحقيقى» من «النقابى الشامت المزيف». عرفنا أن مهنتنا فيها من هم أشد خطراً عليها من أعدائنا فى الداخل والخارج. زملاء بلا موهبة، وهم ناقمون على الجميع، سلاحهم هو «الشماتة» و«التقارير المزيفة». لكن أهم ما عرفته فى هذه «المحنة» هو شخصية صلاح دياب وموهبته الواسعة.

كنت أعرف حتى قبل أن أصبح رئيسًا للتحرير أنه قارئ جيد. لا يكتفى من قراءة المقالات بالعربية والإنجليزية. يعود إلينا دائمًا من رحلاته الخارجية بوليمة من الصحف والمجلات، لنرى الجديد فى عالم الإخراج والتصوير.. والتحرير. لكنه فى هذه الأزمة، وقد خرج منها بعد أربعة أيام فى الحبس، عاد بمقال رائع جداً.. عن تجربة «الحبس». كان عنوانه هكذا: «اختبار». مكتوب بشكل مكثف وعميق.. يتضمن فى عبارات موجزة ما تعلمه من أيام الحبس الأربعة.

سألنى عن رأيى فى المقال، فقلت له إنه أكثر من رائع، ويحدد مواقفك المستقبلية رغمًا عن محنة الحبس.

أتذكر أن الرجل وهو لا يزال فى «النيابة» قال لى: لا أريد أن يؤثر ما حدث لى على مسار صحيفتنا. سنظل أقوياء وثابتين. تكرر الأمر معى وبنفس العبارات تقريبًا فى «الحملة الأخيرة» قبل عدة أسابيع.

وللأمانة، فهو موقف يتفق فيه باقى الشركاء فى «المصرى اليوم». كثير ما ألح أنا وأصدقائى فى صالة التحرير على المهندس نجيب ساويرس أو الدكتور أحمد بهجت أو المهندس أكمل قرطام للتواصل معنا أو إجراء حوارات. هم مقتنعون أنهم بنوا صرحًا ليبراليًا متكاملاً.. وعليهم الحفاظ عليه كما هو.

وحين برّأته الدائرة 19 جنايات الجيزة برئاسة المستشار عادل أبوالمال، الاثنين الماضى، من تهمة حيازة السلاح النارى والذخائر دون ترخيص، كتبنا فى الصفحة الأولى «براءة مؤسس المصرى اليوم من تهمة حيازة السلاح».. لأن هذا حقه علينا. لم يطلب منا ذلك، وأنا أكاد أُجزم بأن كل المشاكل والقضايا والأزمات التى تعرض لها الرجل منذ أن تعرضت استثماراته فى البترول إلى ما يشبه التأميم، فى عهد مبارك وصولاً لأزماته الأخيرة، وراءها «المصرى اليوم». لم يغير الرجل مبادئه، فكسبنا نحن وقراؤنا هذه الجريدة.. وفى نفس الوقت ظل متمسكًا بالعمل فى بلده.

مشروعاته ومحالّه يعمل بها الآلاف ولم يزايد بهم. أو بنا.. ولذلك كان حقًا علينا أن نقول: «براءة مؤسس المصرى اليوم».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف