المصرى اليوم
مصباح قطب
لعب دور ليس بالدور
أن يكون لدولة ما دور أمر لا يتم بالدور. يلزم للطامحين إلى دور أن يرموا بياضهم أولا. وعى وتعب وإصرار ونفس طويل. المواطن المستقل الحر أساس أي دور، والوطن المستقل ضرورة حياة لمواطنين أحرار.

الدور ليس بالحجم الجغرافى أوالمالى، وإن كانت الفلوس في نماذج مثل قطر أوترامب تلعب «أدوارا» ما إلى حين. منذ سنوات ونحن نقول: مصر عادت إلى أفريقيا... مصر عادت إلى الساحة الإقليمية أو الدولية الخ، فما الذي عاد إلى الوطن والمواطن مما ذكرته (هوية- وعى – تعب- إصرار ..) لتعود مصر إلى دور أو أدوار؟. أغنية عبده سروجى (أدور عا اللى راح منى) هي أغنيتنا، وإن كنت أشك أننا دخلنا فعلا في بحث جاد عما راح منا، أو رحنا منه، بل وأشك أننا نعرفه أصلا.

لاتفيا دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 2 مليون نسمة ومساحتها 65 ألف كيلو متر مربع.. احتلها الألمان 800 سنة، واحتلها الاتحاد السوفيتى 50 سنة (1940 ال 1990 )، لا ينسى أهلها مئات الآلاف الذين راحو من أجل الاستقلال، كما أنك لن تفهم أي شىء عن لاتفيا ما لم تدرك قيمة الاستقلال عندهم. في لاتفيا وجدت بعض ما يجب أن نتعلمه أو ما يؤكد أننا دون أن نتعلمه، فلا مجال للحديث عن أي دور لبلدنا بالخارج، أو لنا في بلدنا.

يبلغ مستوى الوعى بالهوية الحضارية (هم من أصول هندو أوروبية) في هذا البلد مستوى العقيدة. فالكل يقول لك إن لغتنا بلطيقية لاهى سلافية ولا جرمانية، والكل يتحدث عن 1.2 مليون أغنية وقصة تراثية تم توثيقها هي كل ما انتجه سكان البلاد عبر تاريخها لتكون ملكا للأجيال وليتم تمثلها بشكل دائم.

كل مواطن هناك بلا مبالغة يعرف ما في بلده من مزايا فهى حسبهم أفضل بيئة في العالم (لا جبال و50 % غابات والباقى أنهار ومزارع )، وفيها أحسن مواسم أوبرا وموسيقى وغناء في أوروبا، وأحلى عسل نحل، وأشهى أسماك، وأسرع انترنيت، وأجمل أخشاب، وأكبر إنتاج من الفلين، وأهم بطل دراجات في العالم، ولديهم بطلين للكرة الشاطئية.

يحفظون عدد جوائز الأوليمبياد التي حصلها أبطال لاتفيا عليها منذ تسعين عاما، ويقولون إن عندهم أدق مواعيد لشركة طيران، وأطول شواطئ رملية متصلة ( 500 كم ) في أوروبا، وأطول جسر مبنى بالطوب، وأهم تراث معمارى وهكذا.

لاتفيا تحتفل يوميا بالأسماء الذائعة مجتمعيا (ايفا) مثلا، وقد لاحظت حرصا- لا أظنه عفويا- على نغمية أسماء الرجال والسيدات، ولا يتأتى ذلك إلا مع الراغبين في أن يكونوا عالميين، حيث لا مجال للأسماء المكلكعة في عالم اليوم، كما لاحظت أن إنجليزيتهم عالمية حقا.. واضحة ودقيقة وبسيطة.

إن 70% من السكان تحت سن الأربعين يجيدون الإنجليزية مع لغة بلدهم طبعا، و57 % من السكان يتكلمون الروسى واللاتفى والإنجليزى معا. السيدات لا يرتدين سوى أزياء بسيطة فيها الطابع الوطنى في التصاميم والألوان ...لا وقت ولا رغبة في الاستهلاك النهم. الماركات العالمية المتواجدة هنا جىء بها لأجل السياح فقط في الغالب. الطعام بسيط وصحى ورغيف الجاودار – المصنوع من الشعير – هو ملك المأكولات. شمال أوروبا عموما كله مدرسة في احترام النعمة والحفاظ على الموارد وقد قرأت لوزيرة الخارجية السابقة في لاتفيا أن جدتها كانت تتعارك مع أي مواطن أيا كان شأنه أو صلة قرابته بها إن ترك في طبقه لقمة.

التنوع الديموجرافى/ السكانى علمهم الحنكة في المعاملة لتفادى أي حساسية مع الأغيار.

هنا 25% من طلبة الجامعة يدرسون هندسة وعلوم طبيعية و35 % يدرسون علوما اجتماعية مع مراعاة أن دراسة اللغات مهمة جدا لهم من أجل تفاعل أقوى مع العالم ولأهمية السياحة التي يراهنون عليها، ومن هنا الارتفاع النسبى في العلوم الاجتماعية.

البلد الصغير المثير للأطماع لموقعه على بحر البلطيق وموارده الأرضية، سارع بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى كعضو كامل بعد استقلاله عن روسيا وانضم إلى حلف الناتو رغم ما يسببه ذلك من حساسية لروسيا، ويرى قادته أنهم لن يكونوا أبدا مستقبلا من أهل الامتناع عن التصويت أي الذين ليس لهم تحيز مع أو ضد، فقد رأوا كيف أن الحياد في الحرب العالمية الثانية أضاع بلدهم وحريتهم وتسبب في مقتل ثلث شعبهم..

لاتفيا تتمرد طوال الوقت بالغناء والعلم والجدية على الجغرافية التي جعلتها بلدا صغيرا مطموعا فيه فهى تلعب دورا لا يمكن نكرانه في إقليمها، وتطمح لتولى رئاسة مجلس الأمن في 2025، ولها دور في قوات حفظ السلام في عدد من دول العالم، وهى لا تترك للجار الروسى أي حجة لمعاداتها، فقوات الناتو على أرضها محدودة للغاية وجيشهم نفسه محدود ولا أسلحة هجومية لديهم.

دولة رشيقة مسالمة ولكن قادرة على أن تلدغ في نفس الوقت بما لها من مصداقية ولقدرتها على أن تخطب ود أكثر من دائرة جيوسياسية.

الدور ما بيجيش للدول بالدور يا جماعة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف