بوابة الشروق
عماد الدين حسين
حتى لا نكرر الخطأ فى نيويورك
كنت أتمنى أن يظهر هذا المقال، قبل أن تبدأ رحلة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى إلى نيوريورك لحضور الدورة السنوية ‏للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يفترض أن الرئيس وصل لنيويورك أمس الأحد ليترأس وفد مصر، للعام الرابع على التوالى منذ عام ٢٠١٤.

قبل أربع سنوات حضرت الدورة وقمت بتغطيتها للشروق، وكانت مليئة بالأحداث واللقاءات الصحفية، واعتبرها المراقبون استعادة الحكومة والنظام والدولة للشرعية الدولية، بعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣. وقتها التقى السيسى للمرة الأولى والأخيرة بالرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما فى نيويورك.

‏قبل ثلاث سنوات حشدت الدولة مئات المصريين للترحيب برئيس الجمهورية، والتظاهر أمام مقر الأمم المتحدة ‏أو أمام مقر إقامته فى الفندق.

فى هذا العام كان مفهوما مثل هذا التصرف، حيث كان هناك صراع إرادات بين الدولة وبين جماعة الإخوان والقوى الإقليمية والدولية التى تدعمها. خصوصا أن الجماعة حشدت العديد من أنصارها للإيحاء، بأنها ما زالت قوية وموجودة، كما قام بعض البلطجية المتعاطفين معها بالاعتداء على الصحفيين المصريين.

‏فى السنوات التالية، تكررت نفس الحشود، والأفواج المحمولة جوا من القاهرة، أو من أبناء الجالية، سواء فى زيارات نيويورك أو العواصم الأوربية، مثل باريس وبرلين. وشهدنا العديد من المظاهر الغريبة لفنانين ورياضيين وشخصيات عامة، يسافرون من مصر، فى طائرات خاصة للوقوف فى الشوارع حاملين الأعلام المصرية، من دون أن نفهم بالضبط ما هى الفائدة من ذلك.
‏كتبت وكتب غيرى أن من حق أى شخص أن يسافر هناك مع الرئيس، طالما أنه لا يكلف الدولة ودافع الضرائب شيئا، والأهم أنه يسافر لأداء مهمة محددة ومفيدة.

نفهم تماما أن يسافر الصحفيون للتغطية المهنية ليس فقط لجولة الرئيس، بل لهذا الحدث الدولى المهم، ونفهم بل ونطالب بأن يسافر مع الرئيس فى رحلاته إلى نيويورك وواشنطن خبراء ودبلوماسيون وسياسيون لديهم مؤهلات وعلاقات مع كل من لديه القدرة على التأثير فى صناعة القرار فى الولايات المتحدة، سواء كان فى البيت الابيض أو الكونجرس أو الخارجية أو وسائل الاعلام المؤثرة أو مراكز البحث، والتحاور والتناقش معهم، لتصحيح بعض الصور السلبية عن مصر وحكومتها.

لو حدث ذلك لرفعنا القبعة لأصحاب هذا التفكير، لكن ما هى الفائدة من سفر فنانة أو لاعب كرة أو شخصيات لا تعرف حتى التحدث باللغة الانجليزية أو حتى الموزامبيقية؟!.

مرة أخرى نفهم اضطرار الدولة أو بعض أنصارها إلى هذا التصرف فى العام الأول أو الثانى بعد ثورة 30 يونيو، لكن لم يعد تكرار نفس التصرف مفهوما، بعد أن استطاعت الدولة تثبيت أقدامها فى الداخل، واستعادة معظم علاقاتها مع القوى الكبرى فى الخارج، وبعد أن صارت جماعة الاخوان بلا حول ولا قوة وتعرضت للانقسام داخليا، وخسارة معظم داعميها خارجيا.

‏رئيس الجمهورية صارت له علاقته جيدة جدا مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والتقاه فى نيويورك فى سبتمبر الماضى، عندما كان مرشحا، ثم التقاه فى البيت الأبيض فى إبريل الماضى، بعد فوزه بالرئاسة، ثم التقاه فى العاصمة السعودية الرياض فى مايو الماضى. وبالتالى انتهت المشكلة الرسمية بين القاهرة وواشنطن، كما صارت علاقتنا الرسمية مع فرنسا ‏وألمانيا وإيطاليا وغالبية الدول الأوروبية الكبرى وغير الأوروبية خصوصا روسيا والصين، أكثر من جيدة. وبالتالى فإن السؤال هو لماذا تذهب مثل هذه الشخصيات إلى تلك العواصم؟!. ‏ما الذى يمكن أن تفعله فنانة أو لاعب كورة، أو إعلامى لا يعرف الانجليزية هناك، مع كل التقدير لهم؟ هل هذه النماذج تستطيع أن تقنع جون ماكين أو لندسى جراهام أو هيئة تحرير الواشنطن بوست والنيويورك تايمز والايكومنيست أو هيومان رايتس ووتش أو الامنيستى بوجهة النظر المصرية، أم أنها تريد أن تلجأ لنظرية «التبشير فى المؤمنين»، وإقناع الجالية المصرية فقط؟!!.

‏الحكومة والرئيس والدولة لا يحتاجون إلى مئات المواطنين المصريين الذين يقفون فى شوارع نيويورك، حاملين الإعلام المصرية أو صورة السيد الرئيس. هذا الامر لم يعد مجديا، كما كان قبل أكثر من ثلاث ‏سنوات. الآن نحتاج أن نغير المسار، وأن نستبدل الحشود بالخبراء والمفكرين والمختصين فى علاقاتنا مع أمريكا أو الدول الأوروبية، أما تكرار نفس المشهد بنفس الأخطاء ‏فإنه يعنى أننا لا نريد أن نتعلم شيئا. وأننا نهدر بهذه التصرفات أى نتائج حقيقية من هذه الجولة المهمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف