الأهرام
عبد الفتاح البطة
أسئلةٌ منسيةٌ
لو أن كل إنسان قال قولا، أوفعل فعلا، أوظن ظنا أوجال بخاطره شيء ،سأل نفسه قبل أن يقول أويفعل ، هل هذا العمل سيأتي يوم القيامة في ميزان الحق أم الباطل ، في دولاب الحسنات أم السيئات ؟ هل لو كنت أعلم أني سأموت بعده بقليل كنت أرضي أن يكون معي في قبري أم لا؟
هل لو كان النبي صلي الله عليه وسلم واقفا، كنت أستحي من هذا العمل أم لا ؟ هل أستطيع أن أقول ( بسم الله ) عند بداية القول أوالعمل، وأحمد الله عز وجل عند نهايته كما أفعل في الحلال إثر تناول الطعام ،وكما في القربة والطاعة عند قرآءة القرآن الكريم أم لا ؟

لو أجبنا هذه الأسئلة بصدق لإنحلت وإختفت من تلقاء نفسها كثير من العقد والمشاكل والفساد والبذاءات ومظاهر الإنحلال وتردي الأخلاق في وسائل الإعلام وعلي النت والفيس والواتس ووسائل المواصلات وأماكن العمل ومع الجيران وبين الأقارب أنفسهم وحتي داخل البيوت والمساجد .

وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم لما قال :(الْحَلالُ بَيِّنٌ ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ …..) [البخاري عن النعمان بن بشير]. فالاثنان(الحلال والحرام) واضحان وضوح الشمس في رابعة النهار ، ولكننا نحاول أن نخفي تلك الشمس بغربال الأعداء الأربعة للإنسان : ( الشيطان والنفس والدنيا والهوي) .وقد حذرنا الله عز وجل منهم في أكثر من موضع ، فعن الشيطان قال:(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) " الأنعام - 43" وعن النفس قال:(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ ) "يوسف - 53" وعن الدنيا قال:(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) " آل عمران - 185" وعن الهوي قال:(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلههُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلي عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلي سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلي بَصَرِهِ غِشَاوَةً ) " الجاثية - ٢٣ ".
وشياطينُ الإنس أصبحوا أشد ضراوةً في عالمنا ، كما قال أحدُهم : كنت تلميذاً لإبليس ..فلما ترقيتُ صار تلميذاً لي .
ولأن الإحتلال ومن عاونه أصبحوا أكثر ذكاء ومكرا :( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) " إبراهيم - 46" فلا يُجهد نفسه ويشق عليها بإرسال جيوش وعتاد وعدة لتدمير شعب ، بل يستطيع الآن وهو قابع في حجرته المكيفة أن يفعل ما هو أفضل وأسرع نتيجة لتحقيق هدفه .
فيكفي في تدمير شعب أن يتخرج طبيب نجح بالغش ليُهلك من يُعالجه أويخرج من عنده أشد مرضا ، ويتخرج مهندس نجح بالغش لتنهار أوتميل مباني يصممها ، وقاضي تخرج بالغش ليذبح ويسفك دم العدالة (ميزان الكون ) بيديه ، ويتخرج داعيةٌ نجح بالغش لتضيعَ معالم الدين والأخلاق في نفوس كل من يدعوهم ، ومعلمٌ نجح بالغش ليُفسد أجيالا بأكملها ، ودكتور جامعي وصل لمكانته بالغش ليُصيب البحثَ العلمي والحياة الأكاديمية بالعفن .
ولأن الإحتلال غير أساليبه وأصبح أكثر فتكا، إستطاع عن طريق تسهيل إيصال النت والفيس والواتس إلي كل بيت ،وفي جيب وحضن كل شخص علي مدار الساعة أن يُغرقه في الملذات والشهوات والشبهات وطرق الضياع والفوضي ، فيُصبح متهالكا بدنيا وخاويا فكريا ،وغير صالح عقائدياً ليس للدفاع عن دينه ومعتقده فقط ، بل حتي للدفاع عن عرضه وأرضه وشرفه .
وتلازم مع تراجع الوازع الديني وخبث ومكر الأعداء والمُفسدين في الداخل والخارج وتطور ودهاء أساليب حربهم ( حروب الجيل الرابع ) غياب أوتغييب لحوائط صد وصمامات آمان ظلت في أحلك الظروف في السابق بمثابة رافعات للقيم والأخلاق والتقاليد والأعراف مهما كانت قوة معاول الهدم وبلدوزرات التدمير وقذائف الإهلاك والإفساد .
فلقد كانت هناك فترات تستطيع فيها هيئات دينية بعينها ( كالأزهر الشريف ) أوعلماء ربانيون بأنفسهم (كالشيخ الشعراوي أوالشيخ جاد الحق علي جاد الحق أوالشيخ محمد الغزالي وغيرهم في مصر ،وابن باز وابن عثيمين وناصر الدين الألباني في السعودية ) أن يتكلموا ويُدلوا بدلوهم فيسكت الجميع إحتراما وتقديرا لهم - أوحتي خوفا من الرد عليهم لمكانتهم في النفوس - وهنا ينتهي الخلاف علي رأي واحد، رَضي من رضي وأبي من أبي .
كما غابت أوغُيبت حوائط الصد في المساجد بعد أن أصبح الدعاةُ منذ زمن بعيد - خاصة بعد مسرحيات وأفلام عادل إمام - مثارا للسخرية والتندر والإستهزاء ، بل والتشكيك في كل ما يقولون .
كما تآكلت حوائط الصد في البيوت بعد أن كانت الأمُ تُرضع أولادها لبناً مخلوطا بالدين والأخلاق، وطعاماً تذكر اسم الله عز وجل عليه، ويُلزِمُ الأبُ الأبناء - طوعا أوكرها - علي حب وإحترام وقبول هذا اللبن ، فتولدت مناعة قوية لها جذور راسخة ، قادرة علي مواجهة ، بل قتل أي فيروسات فكرية مهما كان خُبثها وقدرتها علي التحول والمراوغة .
وإختفت كذلك حوائط الصد في مدارس وجامعات كانت بمثابة ( ضبط زوايا فكرية وسلوكية ) لأي إختلالات عقلية أونفسية ، فتحولت هي نفسها إلي معول من معاول الهدم،وإلي فيروس من فيروسات الأعداء .
وسيدنا أنس بن مالك - رضي الله عنه وأرضاه - يقول للتابعين في القرن الأول - خير القرون - : (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشَعر، كنا نعُدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات"أي المُهلكات ")"رواه البخاري " فكيف لو رأي هذا الصحابي أحوالنا،وعاش في أكنافنا ،تراه ماذا يقول؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف