المساء
جلاء جاب اللة
التعليم.. وحديث كل عام
فجأة وبدون مقدمات اكتشفنا أن العام الدراسي يستعد للانطلاق خلال أيام.. الموعد معروف منذ نهاية العام الدراسي الماضي وحدث جدل شديد واختلاف حول الموعد ولكنه كان معلوماً للجميع غير أننا وكعادتنا مع كل المواسم نكتشف أننا تفاجأنا بالموعد.. يحدث ذلك مع رمضان ومع العيد ومع مناسبات عديدة وهي عادة مصرية خالصة تتفق مع ثقافة الشعب وعاداته التي لا تعرف التخطيط المسبق أو الاستعداد المبكر لأي حدث.
صحيح أن الدروس الخصوصية بدأت منذ شهرين قبل بدء الدراسة وأن الكتب المدرسية تتم طباعتها الآن وهي جاهزة للتوزيع علي التلاميذ ولكن من قرأ التحقيق الصحفي المنشور في "المساء" يوم الخميس الماضي "أمس الأول" سيلاحظ أن المدارس لم تستعد ونشر التحقيق بالصور مدرسة تغرق في بركة ماء وأخري أصبحت مقلب مخلفات وثالثة تفوح منها الروائح الكريهة ومدارس أخري تسيطر عليها وسائل المواصلات بداية من التوك توك إلي السيارات الملاكي التي استخدمت المدارس كجراج وصولاً إلي سيارات النقل ومقطوراتها ناهيك عن مخازن الخردة والمراجيح والخراف والماعز.. بل تحولت واجهة بعض المدارس إلي مقاه.. كل هذا بالصور وأسماء المدارس في القاهرة.. فما بالك ببقية المحافظات؟!
أعرف أن النسبة الأكبر في المدارس في مصر لا تعرف هذه المظاهر السلبية.. وأن هناك مدارس جديدة ستدخل الخدمة هذا العام.. وأن هناك إيجابيات عديدة.. لكن ما أريد أن أشر إليه أن نفس السلبيات التي نعاني منها كل عام هي نفسها التي نعاني منها هذا العام سواء بالشكل أو الجوهر أو الدروس الخصوصية ومراكزها.. كل ذلك لأننا ببساطة شديدة لا نملك رؤية واضحة ومحددة للتعليم.. وكل وزير يأتي يحاول أن يفرض رؤيته ويبدأ من الصفر ويرحل ليأتي غيره فيبدأ من جديد.. والضحية هو التعليم نفسه.
وبرغم أننا نعرف أن التعليم والصحة هما أعظم استثمار لأي دولة لأنه استثمار في البشر.. وبرغم أن الدولة تتجه إلي تنمية الإنسان المصري وتضع كل اهتمامها بالإنسان.. إلا أن سلبيات التعليم والصحة كما هي دون تغيير!!
التعليم بالذات هو القاطرة الرئيسية التي ستقود أي تنمية في مصر.. وبلدنا منذ آلاف السنين هو بلد العلم والتعليم والتربية.. ومدرسونا هم من علموا كل الدول الشقيقة.. وأبناؤنا هم الأمل والمستقبل.. ولكن بلا خطة ودون رؤية أو استراتيجية واضحة ومحددة لن نحقق أي هدف.
في بداية الستينيات كانت هناك محاولات جادة لوضع استراتيجية في التعليم بداية من إعداد المعلم وإنشاء كليات متخصصة لتخريج معلمين وإنشاء معاهد لتدريبهم.. ثم تطويرهم وكذلك إنشاء مدارس في كل قرية ومدينة وكان اسم هذه المدرسة "مؤسسة" ويضاف إليها اسم القرية لأنها كانت تؤسس لجيل جديد من الدراسة الابتدائية أو التعليم الأساسي كما يحلو لخبراء التعليم أن يطلقوا علي المرحلتين الابتدائية والإعدادية وكانت نكسة 1967 هي القنبلة التي انفجرت في وجه قاطرة التعليم التي انطلقت فتوقفت ثم عادت بعد ذلك دونما هوية أو رؤية.. وعندما بدأنا في تطبيق سياسة الانفتاح بعد نصر اكتوبر بسنوات.. كان الانفتاح أيضا في مجال التعليم.. فتعددت الرؤي ولكن دون ضابط أو نظام واضح.. ثم حدثت بعد ذلك محاولات فردية لتطوير التعليم لكنها تصطدم كل مرة بما يعرقل التطور والتنمية في مصر.. ومع كل تغيير وزاري نبدأ من الصفر وكأننا لم نبدأ من قبل.
ورغم أننا وضعنا أكثر من استراتيجية معلنة للتعليم إلا أننا لم ننفذ أياً منها.. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة أكثر من تغيير وأكثر من رؤية في نظام التعليم.. وأكثر من قرار وزاري يتم الرجوع عنه أو تعديله وكأننا في حقل تجارب تعليمية برغم أن في مصر خبراء للتعليم علي أعلي مستوي ولدينا خبراء في كل دول العالم شاركوا في تطوير تعليم دول أوروبية!!
التعليم قضية حياة.. ومستقبل.. والمعوقات بسيطة وضعيفة.. ولدينا عباقرة بحق سواء من الطلاب والتلاميذ أو المعلمين ولكن نحتاج فقط إلي القدرة علي الاستفادة منهم أو استغلال قدراتهم إذا كانت لدينا استراتيجية واضحة المعالم يتم تطبيقها جيداً بغض النظر عن اسم الوزير أو هويته.
التعليم هو القاطرة التي ستقود مصر إلي الطموح الذي نسعي إليه بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يملك رؤية واضحة في تنمية الإنسان المصري والتعليم هو أهم عناصر هذه التنمية.. ولكن المطلوب هو أن نضع التعليم الآن في مكانه الصحيح وأن يكون الاستثمار في التعليم هو الخطوة الأولي نحو المستقبل.
أزمة التعليم الحقيقية في مصر هي ثقافة الشعب التي ترسخت في النفوس.. فكل أسرة تسعي لأن ينجح الابن سواء أكان يستحق النجاح أو لا يستحق وتريده في كلية من كليات القمة سواء أكانت لديه القدرة علي ذلك أم لا.. وتريد أن يمتلك في يده شهادة للمستقبل سواء أكان يعرف قيمة هذه الشهادة أم لا.. وتبحث له ومعه عن وظيفة مضمونة حتي قبل أن يكمل تعليمه.
الثقافة الشعبية تجاه التعليم هي الأزمة الأولي وليس مطلوباً تغييرها بالشعارات والكلام ولكن بالفعل والتطبيق علي الواقع. ولابد من تغيير النظرة الأساسية للتعليم في مصر والعودة إلي مفهوم التعليم الشامل وكذلك تحديد هوية جديدة للتعليم الفني لكي يكون أملاً لشباب المستقبل والعودة إلي ربط التعليم بالتربية فعلياً وليس كلاماً في الهواء.
بدون تطوير حقيقي للتعليم واستراتيجية واضحة ومحددة وآليات جادة وصادقة لن نحقق أي تطور أو تنمية في التعليم برغم أننا نعرف ونعي جيداً قيمته وأهميته وضرورة تحسينه حتي نحقق أهدافنا المستقبلية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف