المصرى اليوم
نصار عبد الله
يوليو وسبتمبر و(الإصلاح) الزراعى (1)
فى يوليو 1952 تحرك الضباط الأحرار لتحقيق أشواق الشعب المصرى إلى الحياة الكريمة الحرة والعادلة، وبعد أقل من شهرين من نجاح حركتهم، وفى ذكرى الصيحة الشهيرة التى أطلقها أول ضابط مصرى تولى قيادة الجيش رغم انتمائه إلى أسرة ذات ملكية زراعية متوسطة، ونعنى به الزعيم أحمد عرابى الذى هتف فى وجه الخديو توفيق قبل حركة الضباط الأحرار بواحد وسبعين عاما (سبتمبر 1881) قائلا: «لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا وعقارا»... فى هذه الذكرى صدر أول قانون للإصلاح الزراعى يضع حدا أقصى: سواء للملكية أو للإيجارات الزراعية،... وضمانا لسرعة الفصل فى أى منازعات متعلقة بتطبيقه فقد نص ذلك القانون (178لسنة 1952)على إنشاء لجان قضائية خاصة يتقدم بها إليها أى متضرر باعتراضه،.. وأصبحت تلك اللجان بمقتضاه وحدها هى المختصة بنظر مثل تلك النزاعات فاستبعدت بذلك ولاية القضاء العادى الذى كان (وما زال) يتسم بالبطء حتى وإن اتسم بالعدالة!.. غير أن أحلام الضباط الأحرار (شأنهم فى ذلك شأن عرابى نفسه)، أحلامهم شىء، بينما الواقع شىء آخر مختلف تماما، إذ سرعان ما أثبت الواقع أن لتلك اللجان عيوبا فادحة أولها أنها أكثر بطئا بكثير من القضاء العادى، ويكفى هنا أن نقول إن الكثير من المنازعات ما زالت منظورة أمام تلك اللجان إلى الآن رغم مرور ما يقرب من نصف قرن على صدور آخر قوانين تحديد الملكية الزراعية ونعنى به القانون 50 لسنة 1969 وللقارئ أن يتصور كيف يمكن لنزاعات قضائية أن تستمر لمدة نصف القرن دون أن يحسم أمرها!!، وبأى منطق يسوغ لنا بعد ذلك أن نقول إن تلك اللجان قد أنشئت لضمان سرعة الفصل فى المنازعات؟.. ويكفى كذلك أن نقول للقارئ إن معدل مدة تأجيل أى دعوى فى القضاء العادى هو شهر أو شهران وأن المدة التى تستغرقها الدعوى حتى يفصل فيها فى محكمة أول درجة هى عامان أوثلاثة، يضاف إليها أقل من ذلك فى مرحلة الاستئناف (فيما عدا استثناءات نادرة).. أما اللجان القضائية للإصلاح فالأمر فيها مختلف تماما، فعلى الرغم من أن عامها القضائى يبدأ فيما هو مفترض فى نفس مواعيد بداية العام القضائى العادى أى فى شهر أكتوبر من كل عام بعد انتهاء العطلة القضائية، رغم ذلك فإنه نادرا ما يكتمل تشكيل دوائرها فى ذلك الموعد، بل قد يتأخر أحيانا إلى العام التالى!‏،‏..ولعل أطرف ما وقع فى تاريخ تلك اللجان هو ما حدث فى عام 1999 حين انتهى العام بالكامل دون أن تكون اللجان تم تشكيلها، ثم تعاقبت أشهر عام 2000، والمتقاضون ومحاموهم ينتظرون،..أخيرا تحدد صباح الأحد‏ 14‏ مايو(2000)‏،‏ موعدا للجلسة الأولى لواحدة من الدوائر...وحين دخلت هيئة المحكمة بكاملها إلى القاعة‏،‏ اشرأبت الأعناق،‏ وأرهفت أسماع الجميع استعدادا للجلسة التى طال انتظارها،‏ ولكن حدث فجأة مالم يكن فى الحسبان‏،‏ فقد التفت رئيس المحكمة إلى أمين السر قائلا‏:‏ اكتب ما أمليه عليك‏..‏ يتعذر علينا نظر أى قضية من القضايا المطروحة إلى أن يتم صرف مستحقاتنا المتأخرة منذ العام الماضى..‏ رفعت الجلسة‏!!‏،...ثم انصرف ومعه هيئة المحكمة بالكامل وسط ذهول الجميع‏!‏..هذا الموقف الذى ينتمى إلى الكوميديا السوداء والذى رواه لى بعض الذين شهدوه بأنفسهم، لا أظن أنه يمكن أن يحدث مثيله فى أى دولة فى العالم، والغريب أنى قد نشرت الواقعة فى بريد الأهرام بتاريخ 24 مايو 2000، ولم يعقب عليها أو ينفيها مسؤول واحد.. وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف