الأهرام
مصطفى السعيد
مسار إجبارى لأردوغان باتجاه روسيا وإيران
لا يوجد أمام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان سوى ممر إجبارى يقوده إلى المزيد من التقارب مع روسيا وإيران، بعكس توجهاته السابقة تماما، عندما كان رأس حربة التحالف الأمريكى فى مخطط الفوضى الخلاقة.

لا يمكن فهم سر صفقة صواريخ الدفاع الجوى الروسية إس 400 الأكثر تطورا فى العالم مع تركيا إلا فى ظل استدارة كاملة لأردوغان جعلته صديقا مقربا جدا قد يصل إلى مستوى الحليف لروسيا، فهى المرة الأولى التى تحصل فيها دولة عضو فى حلف الناتو على منظومة صواريخ روسية، ولا يمكن تصور أنها من أجل مواجهة طائرات وصواريخ روسيا المانحة، ولهذا أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من هذه الصفقة، لكن الدهشة من سرعة وحجم استدارة أردوغان عقدت الألسن وأخرست الألسنة حتى يتم فهم واستيعاب نتائج هذه الاستدارة. أهم النتائج كانت إعلان عن مشاركة تركيا فى مراقبة منطقة خفض التوتر فى محافظة إدلب السورية التى تضم جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة وباقى الجماعات المسلحة، ويبدو أن تركيا قامت بدور أساسى فى تفكيك وإثارة الانقسامات بين هذه الجماعات، بما يمهد لعزل جماعة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والمدرجة فى قائمة الجماعات الإرهابية، وتوجيه ضربات تقضى عليها، وإجراء مصالحات أو مفاوضات مع باقى الجماعات التى تقبل بالانضواء تحت العلم السوري.

ما يفعله أردوغان الآن لا يمكن تصديقه بالمقارنة بما كان يفعله قبل سنوات قليلة، عندما فتح حدوده لتدفق عشرات آلاف المسلحين الذين جاءوا من نحو 90 دولة، وإعلان استعداده لدخول الجيش التركى إلى سوريا بشرط واحد هو مشاركة حلف الناتو، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا مرتابين من عرض أردوغان، بعد أن ظهرت ملامح مشروعه الخاص مع جماعة الإخوان وقطر لإقامة دولة الخلافة، متجاوزا حدود الدور الذى رسمته له الولايات المتحدة، ومثيرا لمخاوف دول الخليج من جموح مشروع إحياء إمبراطورية الخلافة التى يمكن أن تبتلعها.

وإذا كان صمود الجيش السورى قد أربك حسابات الجميع، فإن التدخل الروسى كان علامة فارقة فى مسار الأحداث، وتصور أردوغان أن بإسقاطه طائرة السوخوى الروسية سيصطف العالم كله من خلفه، وتتدفق عليه المساعدات من الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج ليتمكن من مواجهة الدب الروسي، لكنه وجد نفسه وحيدا، واضطر إلى أن يطأطئ رأسه أمام الرئيس الروسى بوتين، لكن الحدث الأكثر تأثرا فى تغيير مسار أردوغان كان محاولة الانقلاب الفاشلة، التى أعتقد أن الولايات المتحدة هى من دبرها، أو على الأقل غضت البصر عنها، لكنه انتظر حتى انتهاء انتخابات الرئاسة ومجيء ترامب خلفا لأوباما، ربما يتم ترميم العلاقات التركية الأمريكية، لكن صدمته فى ترامب فاقت غيظه من أوباما.

وجاءت أزمة قطر مع السعودية والإمارات لتقضى على ما تبقى من أصدقاء أردوغان، فلم يكن بمقدوره ترك حليفته المقربة قطر، والتضحية بروابطه مع جماعة الإخوان، فخسر السعودية والإمارات والبحرين، أما مصر فهى فى مصاف أعدائه منذ الإطاحة بحكم الإخوان. هكذا لم يجد أردوغان إلا مسارا واحدا يقوده إلى روسيا وحليفتها المفضلة إيران، رغم العداوة والدماء التى لم تجف، وكان يظن أن الولايات المتحدة ودول الخليج سوف تسعى إلى استرضائه ليتوقف عن المضى فى الطريق إلى موسكو وطهران، لكنه وجد أن كل خطوة باتجاه موسكو تبعده خطوات عن واشنطن وحلفائه فى الخليج.

لم يعد بإمكان أردوغان أن يواصل اللعب على كل الحبال، والقفز من غصن إلى غصن، فالحبال تآكلت وكثير من الأغصان تساقطت، وفرص المراوغة والمناورة تضاءلت، والأقنعة تتساقط، فعندما تقرر أن تسلك طريقا محددا فإنك ستصل إلى وجهة واحدة، وتخسر فرص الوصول إلى الجهات التى تقود لها الطرق الأخري، فالطريق إلى موسكو لا يمكن أن يقود إلى واشنطن، والتقارب مع إيران لابد أن يبعدك عن الرياض.

المؤكد أن التحالف الروسى الإيرانى السورى سوف يستفيد من استدارة أردوغان، فهو يقلل من ثمن ووقت القضاء على الجماعات المسلحة فى سوريا، وبالفعل أدى وقف خطوط الإمداد عبر تركيا إلى إنهاك هذه الجماعات، وأردوغان يمضى قدما فى نزع أشواك باقى الجماعات المتناحرة فى إدلب، آخر معاقل المسلحين. كما أضعف أردوغان التحالف الأمريكى كثيرا، بانتقاله إلى الجبهة المعاكسة، ومثل هذه الاستدارات لا تمر من دون تكلفة وثمن، لهذا فإن أردوغان مقبل على الكثير من المشكلات، فكل استدارة كان لها ضحايا وتكاليف باهظة، فقد كان يحيك المؤامرات ضد سوريا وهو يرتدى قناع الصديق والجار المخلص، وعقد اتفاقيات مع إيران وهو يرتب لخطط حصارها وإثارة الفتن المذهبية ضدها، واتفق مع روسيا على تمديد خطوط أنابيب إلى أوروبا وهو يخطط لنقل الغاز القطرى بدلا منه لضرب الاقتصاد الروسي، وها هو يضرب فى الأطراف الأخري، ويخذل أمريكا وأوروبا ودول الخليج.

لقد خان أردوغان الجميع، وأصبح الجميع يعلم بألاعيب وخيانات أردوغان، باستثناء جمهور جماعة الإخوان فقط، لأنهم لا يريدون أن يصدقوا أو يعرفوا حقيقة من رفعوا صوره فى ميادين القاهرة وغيرها، لكن الوقت لن يطول كثيرا حتى يجد أردوغان أنه مطالب بسداد فواتير كل هذه الخيانات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف