الأهرام
د . رفعت السعيد
الإخوان قطر- القرضاوى (1-2)
هذا كتاب مثير للدهشة تقرأه فيخيل إليك كأنه كتب اليوم وأن المطبعة تعجلت فقذفت به إلينا ساخنا لم يكد يجف مداده، ولو عدت إلي تاريخ صدوره ستكتشف انه صدر عام 2013، لكن المؤلف العراقي الجنسية استضاء بخبرته العراقية ودور قطر والقرضاوي فيها بعد الغزو الأمريكي وما قبله وما بعده ليأتي إلينا متحدثا عما سيكون بعد أربع سنوات.

المؤلف : فخري كريم - الكتاب- الإخوان الحقيقة والقناع- الناشر المصرية اللبنانية 2013.

وقد تفضل المؤلف فأهداني الكتاب وأهداني علي أولي الصفحات عبارات قلقة زادت من قلقي فقال «لأول مرة اشعر بالقلق وأنا أتابع المشهد المصري، والاخوان في قلب الحراك ولم اطمئن ولو قليلا إلا بعد رحيلهم وسأظل قلقا للأسف حتي تتعافي مصر» وكان ذلك بعد عدة أشهر من طردهم ، وكنت لم أزل أسير موجات تتوالي من قلق يأتي ويخبو» وبصراحة لم أشأ أن انغمس أكثر في موج القلق فتركت الكتاب جانبا إلي حين. وبعد أن تفجرت المناكفات القطرية وتحالفاتها الاخوانية وتلفع الاثنان بشال العمامة القرضاوية المشحونة برجس التأسلم .. استعدت الكتاب فأدهشني. كان المؤلف قادرا في عام 2013 علي أن يطل علي ما سيكون في عام 2017. ويبدأ فخري كريم برسالة إلي مواطن أم الدنيا فيقول «كان علي أن اكون بينكم في ميدان التحرير لأعمد نفسي مواطنا يشارك في صنع معجزة هذا الزمان الذي يئس بعضنا من نهوضه» و«لقد صنع شعب مصر مأثرة قل نظيرها ويكفي انه اضاف درسا خلت منه الدراسات حول معني الثورة.. فخرج عن بكرة ابيه ليملأ الشوارع والميادين، أوراق تصويت تتطاير في سماوات مصر لتتحول إلي رايات نصر لمصر وتقدم بذلك معني للارادة التي تضيق بها صناديق الاقتراع، ثم يلخص كل شيء فيقول «هكذا تسامت الارادة الشعبية علي اعتماد العنف والقوة في مواجهة التعنت الاخواني وغطرستهم ونيتهم المبيتة بإغراق مصر بالدم، فجعل الارادة في الشارع تفويضا للقوات المسلحة للحيلولة دون المواجهة الدموية والانزلاق إلي أتون الحرب الاهلية التي كان الاخوان والرهط التكفيري يريد استدراجهم إليها، وهكذا اكتسبت الثورة شكلا مستحدثا بتحويل الشارع المفتوح إلي تفويض بالحماية من الجيش الذي تتجسد وظيفته في مثل هذا الدور» (ص6) ويمضي المؤلف ليشابه بين ما رواه جون ريد في كتابه الرائع «عشرة أيام هزت العالم» والذي صاغ فيه نشوة السعي الملاييني التكوين نحو انصاف الفقراء وبناء دولة عظمي علي أشلاء روسيا القيصرية .. وبعد سنوات من المجد والعثار انتهي الأمر إلي «قصة عبور حزين كان كاتبها رجلا من زمن الرثاثة والافول تصدر المشهد ليكتب الفصل الأخير.. رجل يدعي ميخائيل جورباتشوف. لكن فخري كريم لم يخرج بدورة الالتفاف هذه عن موضوع الكتاب.

ويقول «لقد تجاوزنا سن الرشد، وعشنا حياة تقاذفتها ظروف المعاناة من الاستبداد فلم يكد اليأس يغوص عميقا في مسام الروح حتي وجدنا انفسنا وقد أفقنا علي وقع يقظة صادمة من غيبوبة تاريخية استمرت عدة عقود وتربعت خلالها انظمة حكم وأشباه رجال علي مقدرات العالم العربي. سادت فيها لغة الصمت كأداة احتجاج ورفض، ومكنت انماطا من المستبدين علي مواصلة اغتصاب ارادتنا«. ثم يستجمع المؤلف اطراف هذه الجولة من انتصارات السوفيت وحلم الاشتراكية إلي خيانة جورباتشوف إلي صدئ الحكام والاحكام واستبداد الحكام العرب ثم وكأنه يدق طبولا ذات صوت جارف يحرك الموج الهادر فيقول وكأنه يصرخ» تجلت اللحظة الصادمة في انبعاث تسونامي 30 يونيو 2013، ويحل لنا لغز هذه الالتفافة من النهوض السوفيتي إلي نهوض تسونامي 30 يونيو. ويعترف المؤلف انه ما من محاولة لمقارنة أيديولوجية أو محاولة للمقارنة في التحول الاجتماعي بين نظام وآخر يختلف جذريا «ولكن 30 يونيو يلتقي مع ثورة اكتوبر 1917 عند تخوم التغيير الفاصل بين عالمين ومصيرين.. وتمثل في نجاح الشعب المصري في اجهاض الثورة المضادة للاخوان وإفشال أخونة مصر ومحاولات اعادتها إلي عصور الظلام» ثم يقول «ولم تكتسب ثورة يونيو مكانتها من قوة فعلها التاريخي باستعادة الدولة المصرية من جراب الاخوان، وايقاف اغتصابها ودفعها إلي ما قبل الجاهلية الأولي فحسب، ولا بما انجزته وهي تزيح محمد مرسي والحيلولة دون استقوائه عليها وافراغ تاريخها من اشراقات الحضارة البشرية وإخماد توهجها» وأرجوك أن تنصت عزيزي القارئ إلي صوت العبارة التالية التي تأتي مصحوبة بهتافات 30 مليونا من البشر المصريين قائلة «يسقط حكم المرشد» أي هي ليست ازاحة فرد بل ازاحة فكر وتأسلم واستفراد وديكتاتورية- هتافات، وضعت مصر من جديد في موقعها الفريد علي منصة التطور، في ملتقي الحضارات، وعلي خطوط التماس المتفاعلة مع العالم العربي والاسلامي الذي كان هو ايضا في مرمي الاخوان ومخططات تنظيمهم الدولي «ويمضي المؤلف واصفا ما كان في 30 يوينو بأنه لم يكن وراءه تنظيم حديدي وانما تحرك جسور من شباب مصر مفعم بالايمان والإقدام والثقة بالقدرة علي اشهار إرادة المصريين علي الهواء مباشرة في صندوق وطني مبتكر ممتد علي مساحة ارض مصر كلها وأمام انظار ورقابة العالم، ولا يحتمل الاقتراع فيه تزويرا أو تلاعبا بالمشاعر أو رشوة وشراء ذمم». أنها ثورة 30 يونيو الفريدة من نوعها التي أدي لها جيش مصر التحية العسكرية وتسلم التفويض والتزم به. وهكذا يقتادنا المؤلف إلي ما نحن فيه أو بالدقة إلي ما تنبأ به في عام 2013 لنراه واقعا في 2017.. ونمضي معا.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف