الأهرام
أحمد الجمال
التوجه شرقًا واستعادة الدور
يفرض التوجه شرقا نفسه على كل مهتم بواقع وطننا ومستقبله، وكثيرا ما يظن البعض أن تحمس وابتهاج ذوى الميول الفكرية والسياسية القومية واليسارية بذلك التوجه مرتبط برغبة دفينة لديهم فى تحطيم العلاقة بين مصر وبين الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن بعض الدول المهمة فى الشرق مازالت ترفع لافتة الشيوعية مثل الصين وفيتنام.. ففى كلتيهما يوجد حزب شيوعى له معتقداته الراسخة فكريا وله هياكله المعروفة، حتى وإن كان التعامل مع المتغيرات التى جرت فى العالم جعل من سياسات تلك الدول تبدو مغتربة عن انتمائها الأيديولوجي.

ولو أن المرء استغرق فى استعراض الخبرات التاريخية التى مرت بنا فى الحقب الحديثة والمعاصرة، أى منذ الحملة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر إلى الآن، فلن يجد مجالا للترافع عن علاقتنا مع الغرب بل إن لائحة الاتهام والإدانات ممتلئة على الأقل منذ معاهدة لندن 1840 التى قصمت ظهر مشروع التحديث العلوى إلى آخر قرار أصدره الكونجرس بتخفيض المعونة ومعه الحملات الصحفية المنظمة المعادية لمصر وتقارير منظمات كـ «هيومان رايتس» التى تصطنع كل ما من شأنه حصار مصر والحط من شأن نظامها السياسي. ولا أريد أن أدخل فى التفاصيل حتى لا تترسخ فى أذهان البعض المقولة التى روج لها ساسة الغرب خاصة من الإدارة الأمريكية، والتى تتهمنا دوما بالهروب من الواقع إلى أضابير التاريخ واجترار الآلام بدلا من الاشتباك مع الحاضر والتفكير ثم التخطيط للمستقبل، وفى اعتقادى أن التوجه شرقا يبدو ضرورة حتمية ولا يشترط أن يتم على أنقاض علاقات أخرى، كما أسلفت، بل إن الحفاظ على العلاقات مع المعسكر الغربى - إذا جاز استمرار استخدام المصطلح - يستلزم تلك الضرورة الحتمية ليتم التوازن والوصول إلى أقصى ما تريده أطراف العلاقات الدولية من مصالح.

إننى مازلت أذكر ما كتبه الشيخ على الجرجاوى عن رحلته إلى اليابان فى نهاية العقد الأول من القرن العشرين، وسجل تفاصيلها فى كتابه الفريد «الرحلة اليابانية» وكتب مقدمة ضافية له فى طبعته الأخيرة الراحل الصديق الأستاذ الدكتور رؤوف عباس حامد، ومنذ ذلك الوقت وأمل توثيق العلاقات مع الشرق يجذب تفكير وجهود العديدين، ولكى يكون الكلام أقرب للدقة فإن الشرق لا يعنى ما كان يسمى بالكتلة الشيوعية فقط، ولا هو نمور شرق آسيا وحدهم، ولكنه يتسع ليضم الدول العديدة من شرق الخليج العربي، أى إيران وباكستان ثم الهند والصين وروسيا وصولا إلى اليابان وأقصى الشرق، وليس من باب المصادفة أن نجد هذه الدول وقد تميزت بميزات قد لا تتوافر فى الغرب، ومنها الجذور الحضارية والثقافية وأيضا العقيدية بيننا وبينها، وهذا ليس مجال التفصيل، ولكنه مجال الحث على توظيف هذه العوامل من أجل توثيق العلاقات التى تبدو واعدة حافلة بفرص التقدم على أكثر من صعيد.

هنا يأتى اهتمام الرئيس بتوثيق علاقات مصر بالشرق ورحلته الأخيرة للصين وفيتنام بمنزلة ما يسميه أهل اللغة «كشف الغمة عن رواسخ دور الأمة» والغمة هنا هى الإهمال والتقصير اللذان ضربا كثيرا من جوانب ثوابت الدور المصرى فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.. الإهمال الذى أدى لتغلغل الدور الإسرائيلى الصهيونى فى مساحات كانت شبه مغلقة أمامه، لأنه تجسيد لوجه كالح من وجوه الاستعمار الاستيطانى العنصرى المعادى للتحرر والممارس للعدوان والاحتلال.. ولا أريد أن أتجه للغوص التفصيلى فى تاريخ مجيد صنعته مصر مع الصين وفيتنام تحديدا.. وقد اقتصر على معلومة أن مصر كانت أول دولة عربية تعترف بالصين «الشعبية» وتقيم علاقات وثيقة معها، وأول دولة عربية تقف بصلابة مع حق الشعب الفيتنامى فى التحرر ومقاومة العدوان الأمريكى الغاشم.. ولنجد أنفسنا أمام أسماء عظيمة هى جمال عبدالناصر وماو تسى تونج وشو إن لاى وهوشى منه والجنرال جياب!.. أسماء تثير فينا الحنين غير المرضى - من المرض - وإنما الحنين الإيجابى الممتزج بالفخر والاعتزاز والأمل فى حياة أفضل.

لقد احتفظت الصين وفيتنام بما يعد ثوابت ارتبطت باستقلالهما وتحررهما، وفى الوقت نفسه واكبتا المتغيرات وراكمتا الخبرات واستولدتا اقتصاديات محكومة بأحدث الآليات، وصارت الصين ثانى أقوى اقتصاد فى العالم، ووضعت فيتنام أقدامها على طريق النمو المتسارع، ويلفت النظر بقوة احترام الرموز التى أسست وكافحت، وكم كان موحيا ومؤثرا مشهد الرئيس السيسى وهو يصافح القادة هناك، وفى القاعة نفسها صور وتماثيل للقادة المؤسسين الذين تحمل المطارات والميادين والمشروعات الكبرى أسماءهم، ولذلك أعتقد أنه آن الأوان لكى يحمل مطار القاهرة اسم جمال عبدالناصر مثلما هو مطار هوشى منه!

لقد حاول من تقلص ضميرهم الوطنى حذف اسم ناصر من على بحيرة ناصر فيقولون بحيرة السد، رغم أن الأطالس العالمية مازالت تضع اسم ناصر على البحيرة، وكذلك تم حذف اسم ناصر من على الاستاد الذى بنى فى عهد الرجل وحمل اسمه بعد رحيله ثم غيروه لاستاد القاهرة.. وهذا عيب!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف