المصريون
جمال سلطان
أعاصر أمريكا والعقاب الإلهي !
إنه الجدل المتجدد كلما ضربت ركنا من الأرض عاصفة أو كارثة طبيعية ، فيعلق البعض شامتا في أن تلك البقعة من الأرض كانت مرتعا للفساد أو الانحلال أو أنها كانت عونا للظالمين والطغاة ، فأرسل الله عليهم تلك الريح أو العواصف تأديبا وعقابا ، ويقابلهم آخرون بالنكير على تلك الروح الشامتة ، وكيف أنهم يوظفون الدين لرسائل غير إنسانية ، تكرر هذا السيناريو والجدل المتصل به في السنوات العشر الأخيرة مرات عديدة ، وها هو يتجدد مع الأعاصير المروعة التي ضربت السواحل الغربية من الولايات المتحدة ، وما زالت المعركة الكلامية مستمرة .
في الخطاب القرآني إشارات لا يمكن إنكارها عن أن بعض الظواهر الطبيعية تكون رسالة إلهية ، عقوبة لبعض البشر على خطاياهم أو ظلمهم ، من مثل قوله تعالى : "فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات" ، ومن مثل قوله جل وعلا : " فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا ، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" ، هذه حقائق قرآنية واضحة ، ولكنها تبقى حقائق في الوقائع التي قص القرآن علينا قصصهم حصريا ، وهذا الخطاب الإلهي لهو خصوصية ، ولا يقبل من أي إنسان أن يفسر أي واقعة طبيعية أخرى بأنها عقوبة إلهية ما لم يكن هناك نص إلهي واضح فيها ، أما وقد انقطع الوحي ، فقد انقطع معه حق أي إنسان في وصف ظاهرة طبيعية محددة بأنها عقوبة إلهية أو ما شابه ذلك ، لأن هذا افتئات على الله ، وادعاء لا يملك ـ ولن يملك ـ صاحبه عليه الدليل .
ويبقى من مثل تلك الظواهر الطبيعية درسان ، الأول هو العظة للإنسان ، أي إنسان ، في أي دين ، بضعف قدراته أمام الخالق البارئ المدبر لهذا الكون العظيم المهول ، فتلك الإشارات الطبيعية مجرد رسالة صغيرة تذكر الإنسان بضعفه وتحتوي تجبره وتعيده إلى فضيلة التواضع ، فهذه بعض "الريح" تفعل في أقوى دولة في العام هذا الرعب والدمار والخسائر الباهظة ، مجرد ريح ، والحقيقة أن مثل هذه الرسائل الطبيعية لو استقبلت ـ أخلاقيا ـ على هذا النحو ، يمكن أن تساعد على نشر السلام في الأرض ، وتقليل الظلم بين البشر أو محاصرته .
الدرس الآخر ، وهو متصل بالتيارات الإسلامية ، والعلماء والدعاة ، الذين يسارعون إلى نسبة تلك الظواهر إلى "العقاب الإلهي" ، والحقيقة أن هذا النوع من الخطاب يسيء إلى الإسلام ويضر بالدعوة ، والغريب أنه بينما كان البعض في العواصم العربية "الإسلامية" يبدي تشفيه غير اللائق في الكارثة التي ضربت الساحل الأمريكي وروعت الملايين من الناس ، نجد المئات من العرب المسلمين في فلوريدا ، قلب الكارثة ، وهم يتطوعون لمساعدة المتضررين وبعض المساجد هناك تفتح أبوابها أمام المشردين ، وأطباء وممرضون وغيرهم ينشطون في العمل على دعم مصابي الكارثة أو المعرضين لخطرها .
ولا مناص من الاعتراف بأن الخطاب الإسلامي الحالي مشحون بقدر كبير من الخشونة والقسوة تجاه الآخرين ، ربما لكثرة المظالم التي تعرض لها المسلمون في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان والصومال وغيرها ، حيث تم استباحة البشر والشجر والحجر بصورة وحشية وتحولت تلك البلدان المسلمة إلى ميدان رماية مفتوح تجرب فيه الدول الكبرى أحدث ترسانة السلاح والذخيرة وقنابل الدمار ، غير أن هذا لا يبرر قسوة الخطاب مع بني الإنسان هنا أو هناك ، خاصة وأن الخطاب النبوي الكريم ، أصدق وأدق تعبير عن الخطاب الإسلامي ، كان خطاب رحمة وإنسانية تجاه الجميع ، رغم ما تعرض له النبي الكريم وأصحابه من ظلم كبير ، ولم يستخدم ما أتيح له من ردع إلا في استثناءات نادرة وبصورة أقرب للفردية ، صلى الله عليه وسلم ، بل إن الخطاب القرآني جمع وصفه الكريم في معنى الرحمة ، في قوله تعالى : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" .
آن للأصوات الاستعراضية المستهترة في الحالة الإسلامية أن تمسك عليها لسانها ، وتوقف هذا الاستهتار بآلام البشر، والإساءة إلى صورة الإسلام ودعوته ورسالته ورسوله .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف