بوابة الشروق
عماد الدين حسين
انتقدوا «هيومان ووتش».. لكن فندوا الوقائع
أتفق إلى حد كبير مع الرأى القائل بان بعض تقارير المنظمات الحقوقية الدولية مسيسة، ليس فقط ضد مصر، بل العديد من البلدان. لكن لا يعنى هذا أن كل التقارير ملفقة، وتريد فقط الإساءة لسمعة مصر وحكومتها.

وبوضوح شديد فإنه من الخطأ الفادح التعامل مع التقرير الأخير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» عن التعذيب، باعتباره فقط حلقة فى مسلسل التآمر على مصر.

المطلوب ببساطة التحقيق فى أى ادعاءات وتفنيدها، وليتنا نحيلها للنائب العام للتحقيق فيها، وأن نعلن للجميع، إما أنها صادقة وستتم محاسبة المقصرين، أو أنها كاذبة، وبالتالى يحق لنا فضحهم.

حينما تخرج بعض وسائل الإعلام المصرية لتهاجم فقط «هيومان رايتس ووتش»، وتشن عليها الحملات، فهى تخاطب بعض المصريين الذين يتابعونها، فى حين أن تقرير المنظمة الواقع فى ٤٤ صفحة، وبثته وكالة رويترز للأنباء صباح الأربعاء الماضى، سيطالعه كل العالم خصوصا النخبة منهم، وسيترسخ لديهم اطباع بان التعذيب عندنا اسلوب حياة.

التقرير يحمل عناوين صادمة مثل: «وباء التعذيب يتم بصورة ممنهجة وقد يشكل جريمة ضد الإنسانية»، وأن المعارضين يخضعون روتينيا للضرب والصعق بالكهرباء.

وقابل أفراد المنظمة ١٩ مسجونا سابقا، قالت إنهم تعرضوا للتعذيب بين عامى ٢٠١٤ و٢٠١٦، فضلا عن بعض المحامين والحقوقيين، إضافة لمراجعة عشرات التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية ووسائل إعلام. وتزعم المنظمة وجود ٦٠ ألف معتقل أو مقبوض عليه فى السجون المصرية، التى تدعى أن عددها زاد بنحو ١٩ سجنا جديدا لاستيعاب العدد الكبير من المحبوسين، خصوصا من جماعة الإخوان. ويتحدث التقرير عن وقائع محددة لأشخاص بعينهم يقولون إنهم أدلوا باعترافات تحت التعذيب بأبشع الطرق.

تقول وزارة الخارجية ردا على تقرير «هيومان رايتس ووتش» انه يعبر عن «أجندة سياسية وتوجهات منحازة، وان المنظمة تعبر عن مصالح الجهات والدول التى تمولها».

حسنا، لكن هذا الرد لا يكفى، والمفروض أن يكون هناك رد تفصيلى ودقيق وموثق ضد هذا التقرير المسىء تماما لمصر والمصريين. لا مانع من فضح المنظمة وعلاقاتها وتمويلها والدول والاجهزة التى تقف خلفها، لكن إذا كان التقرير قد استخدم أسماء ووقائع معينة، فقد وجب الرد بوقائع مضادة، وعدم الاكتفاء بالرد السياسى. على سبيل المثال قالت تقارير اعلامية مصرية، ان غالبية الاسماء التى تحدثت فى التقرير مجهولة، فلماذا لا يتم كشف كل الحقائق بشأنهم؟!

هل يمكن أن يكون هناك تعذيب فى ظل العدد الكبير من المقبوض عليهم؟!

لا يساورنى شك فى ذلك. لكن ربما يكون السؤال الأهم هو: هل هذا التعذيب منهجى كما تزعم المنظمة، أم أنه ظواهر فردية كما تقول وزارة الداخلية معظم الوقت؟!

الحل هو أن تقتنع وزارة الداخلية والحكومة أن معاقبة أى شرطى من أصغر جندى إلى أكبر ضابط، إذا ارتكب جريمة التعذيب، هى أفضل دعاية لوزارة الداخلية والحكومة بل والنظام بأكمله.

على حد علمى، فقد حققت وزارة الداخلية فى بعض الوقائع، وحكم القضاء على بعض أفراد الشرطة بالفعل، فلماذا لا يكون ذلك هو الاسلوب المستمر، طالما ان الحكومة تنفى ان التعديب عملية ممنهجة؟!

المفترض أيضا أن نستفيد درسا مما حدث قبل ٢٥ يناير، حينما تركت الحكومة الوزير الأسبق حبيب العادلى، يفعل ما يشاء فى المعارضين، فكانت النتيجة مأساوية على الجميع، ولا نزال ندفع ثمنها الفادح حتى الآن.

سيقول البعض: وهل تدافعون عن المتطرفين والإرهابيين الذين يفجرون المنشآت ويقتلون الأبرياء فى سيناء وغيرها؟!
الإجابة هى أن أى شخص يتم القبض عليه سواء كان متهما بالتجسس، أو بسرقة فرخة، ينبغى معاملته بما تنص عليه اللوائح والقوانين والأعراف الدولية. اما وجود التعذيب فهو افضل خدمة للتطرف والارهاب.

انتقدوا «هيومان رايتس ووتش» وأمثالها كما تشاءون، ونظموا ضدها الحملات، لكن لا تنسوا أن تردوا على الوقائع وتفندوها بالتفصيل، لأن تكريس الانطباع بأن التعذيب فى مصر يتم بشكل ثابت، يسىء للجميع شعبا وحكومة، ويعطى الفرصة بكل المتربصين بمصر وحكومتها، خصوصا أن تقرير «هيومان رايتس ووتش» يأتى بعد أيام قليلة من حملات شبه منظمة ضد الحكومة المصرية فى الاعلام الامريكى، وبعد قرار الإدارة الأمريكية بإلغاء وتجميد جزء من المعونة بتهم مشابهة، أهمها انتهاكات حقوق الإنسان!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف