المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
إنها الجينات
هناك خبراء فى كل الأنظمة المتحضرة، كانوا عاملاً رئيسياً فى نجاحاتها، لا نستطيع إلا أن ننحنى أمامهم إجلالاً وتعظيماً، كما أن هناك أيضاً منافقين لأنظمة متعاقبة، كانوا سببا رئيسياً فى انهيارها، لا يخجلون، يتسلقون من نظام إلى نظام، لا يستحون، هم المُنَظِّرون، وهم الاستراتيجيون، ومن دونهم مترصدون متحفزون لا يطرحون حلولاً، اعتدنا عليهم، كما اعتادت الأنظمة تماماً، لم نعد نعيرهم اهتماماً، كما لم تعد تأبه لهم أو بهم الأنظمة، بعد أن أصبحوا عبئاً عليها، ليس ذلك فقط، بل بعد أن اكتشفت أن كل ذلك كان تستراً خلف فساد منقطع النظير، بل عمالة لا أول لها ولا آخر، لذا كان مصيرهم ساحات المحاكم.

كانت التوقعات أن يتوارى هؤلاء، العكس هو الذى حدث، ازدادوا توحشاً ونفاقاً، علّ وعسى يكون المخرج والملاذ، توهموا أن المطلوب هو المزيد من النفاق، حتى لو كان دور الكومبارس، لم يستوعبوا خطورة اللعب على الحبال، وكيف أنها تؤدى إلى قصف الرقبة بين لحظة وأخرى، يبدو أنها الچينات، أى لا أمل فى النصح، بالتالى لا أمل فى الإصلاح أو الصلاح.

بين الحين والآخر يخرج علينا أحدهم، دون أى خجل، يعيش وهْم التنظير، رغم أن أخبارهم السيئة ملء السمع والبصر، إلا أنها بصفحات الحوادث، لا يريدون التوبة، أو حتى الاعتراف، رغم ذلك يسعون إلى إخراس مَن دونهم، يتألمون حين يرون شريفاً هنا أو نزيهاً هناك، لا يتورعون عن دعوة الآخرين للانضمام إلى ركب النفاق، بلغوا من العمر عتياً، إلا أنها الچينات، لم تردعهم الشيبة، ولا ضعف البصر، ولا الأمراض عموماً، ولِمَ لا؟ إذا كانت ساحات المحاكم لم تردعهم، ولِمَ لا؟ إذا كانت الدماء لم تعد بمواصفات الدماء، إنها دماء الفساد، الذى أصبح ينخر حتى فى العظام.

نحن هنا نتحدث بصراحة ووضوح، كما اعتدنا دائماً وأبداً، لا نعرف اللف والدوران، وهكذا سوف نستمر بمشيئة الله، لم ولن نسلك طريقاً آخر، لا طريق القصور، ولا طريق السفارات، ولا طريق المنظمات والجمعيات، ولا طريق التمويل الأجنبى، ولا حتى طريق الرشوة، قديماً قالوا: إذا لم تستحِ فافعل ما شئتَ، بالفعل يبدو أن الأمر كذلك، لم نحاول الاقتراب منهم، إلا أنه يبدو أنها التعليمات، التى تجعلهم يصرون على جَرّ شكل الآخرين، علّ وعسى يحصلون على الرضا السامى، لم يدركوا أن قضاء مصر سوف يظل شامخاً، وقضاء الله أكبر وأكبر.

لهؤلاء نقول: البحث عن الحقيقة لا يحتاج إلى جهد كبير، الحقيقة واضحة بوضوح الشمس، لا توجد حقيقتان، هى حقيقة واحدة، ما نحن فيه وما نعيشه واقعا، الأمر لا يتعلق أبداً بأرقام من هنا أو هناك، ولا يتعلق بتقارير قد تكون خادعة، أو مذكرات قد تكون ملتوية، الشارع هو نقطة البدء ونقطة الانتهاء، للمواطن القول الفصل، لندَعِ القارئ أو المشاهد هو الذى يحكم، لنُطالع نسبة القراءة والقراء لهذا الكاتب أو ذاك، أيضاً لنحتكم إلى الشعب، لسنا أمام معضلة يمكن الاختلاف حولها، هناك فرق بين ارتفاع نسبة النمو وطباعة البنكنوت، لا يستطيع أحد خداع الناس كل الوقت، التاريخ هو الذى سوف يحكم، أعتقد أن الحُكم قد صدر مبكراً، إلا أنه عمى الأبصار والقلوب فى آن واحد.

إنه الإفلاس أيها السادة، المفلسون لا يمكنهم أبداً بناء مجتمعات، كما الفاسدين تماماً، هى النكبة التى أصبحت تعيشها «المحروسة»، هو الوباء الذى حل بالأُمة المصرية، لن تستقيم الأوضاع فى ظل الإفلاس والفساد، بمعنى أدق فى وجود خبراء كل العصور المنتهية صلاحيتهم، هى فقط حلاوة الروح، الروح الشريرة، التى آلت على نفسها أن تظل مطية حتى الرمق الأخير، فلا هى اتعظت بأحوالها، ولا هى اتعظت بما حولها، إنها النفس البشرية التى ألهمها الله فجورها وتقواها: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).

مازال البعض لا يعى أن مصر أكبر من كل ذلك، أكبر من النفاق، وأكبر من الرياء، وحتى أكبر من العملاء، كثيرون هم مَن طحنتهم المفرمة المصرية على مر الزمان، سجلهم التاريخ فى صفحات سوداء، إذا كان هناك مَن ترحَّم عليهم الشعب، كل الشعب، فهناك أيضاً مَن نعتهم بأحَطّ وأفظع الأوصاف، لم يرتدع الناس بوصايا ذِكْر محاسن الموتى، لم يلتفتوا إلى التعليمات الدينية والأخلاقية فى هذا الشأن، ولِمَ لا؟ فقد كانت المسيرة حافلة بكل ما هو مُشِين على كل المستويات، هم لم يقدموا طيباً لهذه اللحظة، لذا فقد استحقوا اللعنات.

على أى حال، لا نبغى هنا سوى التذكِرة، سوى العظة، سوى التدبر والتأمل، سوى العودة إلى الحق، قد يتألمون من الوقوف فى قفص الاتهام بعد أعوام مديدة من التزلف والتملق، قفص الاتهام الدنيوى، ما بالنا بالقفص الأُخروى، قد لا يعنى هذا الحديث شيئاً للكثيرين بعد أن وُضِعَت على القلوب أقفالها، إلا أن هناك بالتأكيد مَن يريدون النجاة، مَن يأملون فى بدء صفحة جديدة من حب الوطن بإخلاص ودون نفاق، صفحة جديدة فى التعامل مع الله، وليس مع هذا المسؤول أو هذه السفارة أو تلك العاصمة، هؤلاء هم مَن نخاطبهم الآن، حتى لا يظن البعض سوءاً من المبطوحين على رؤوسهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف