المصرى اليوم
شريف رزق
تمثيلية «ديمقراطية جداً»
العلوم السياسية أحد العلوم الإنسانية المرتبطة بواقع وحياة الناس، ولذا فالممارسة السياسية في مكان ما ترتبط بثقافة المكان وليس بالمفهوم السياسي في المُطلق. الممارسة الديمقراطية ترتبط بمدي التطور الإنساني في ثقافة ما. ولذا فتوجد بين الدول الديمقراطية العريقة دول أكثر ديمقراطية عن الأخري. بينما في العالم العربي «العريق» فالفروق هي في مدي حرفية تمثيل الديمقراطية، فنحن نمثل على الغرب وعلى أنفسنا ونفشل في الأداء وذلك لأننا نستعين بممثلين غير بارعين.

قد تختلف أو تتفق مع محمود سعد وإبراهيم عيسي وريم ماجد ويسري فودة وحافظ المرازي وعمرو الليثي وتوفيق عكاشة ودينا عبدالرحمن وباسم يوسف، ولكن وجودهم ضروري ويجعل من فكرة الديمقراطية قضية قابلة للتطور والنضج ويبقي إبعادهم جزءا من التمثيلية الهزلية «الديمقراطية»، فالجميع يعلم أنهم مبعدون قصراً لكن لا أحد يتكلم!!. نحن في بداية عهدنا بالديمقراطية، وحتماً يسيطر على البعض أو الكثير منا فكرة الحق المُطلق التي ينتفي معها الوجود الديمقراطي، فتلك المعاناة حتمية حتي تولد فكرة التعامل مع المختلفين. فمن حقنا أن نختلف مع الآخر ورفض أفكاره لكن يظل وجوده أمرا حتميا وأساسيا لنمو المجتمع نحو التعددية والتطور.

الأمر هنا لا يقتصر على بعض الإعلاميين، بل يتخطي حدود تلك الفكرة، الحديث هنا عن حق كل المختلفين في التعبير كيفما وحينما يشاءون، الاختلاف مع الحكومة ليس اختلافاً مع مصر، الحكومة والرئيس ليسا مصر، ولا يوجد في السياسة أو العمل العام ما يُسمي «خط أحمر» أو أخضر أو أصفر أو أي خطوط أخرى، التصدي للعمل السياسي لا يعني أن هذا الشخص «يُحب» مصر أكثر من الآخرين بل حقيقة الأمر وبدون «رتوش» أو تمثيل هو يُحب ذاته «وهذا حقه» ويري أنه أفضل من يقوم بتلك الوظيفة ومن ثم فهو يتمتع بالامتيازات والمسؤوليات المصاحبة للوظيفة، ومن ضمنها المحاسبة والاختلاف، ولذا فكل من يعمل في وظيفة عامة تنتفي عنه صفة «القداسة» وتهجره الخطوط الحمراء والصفراء وأي خطوط أخرى. وهذا بالتبعية يعطي الحق للشعب والإعلاميين بانتقاد الأداء الذي يمس حياة الشعب، الشعب هو صاحب المصلحة ومن ثم له مطلق الحرية في انتقاد الساسة وتلك هي بداية التكوين الديمقراطي لدي الشعب.

يحكي صديقي المقيم بالمملكة المتحدة عن عضو مجلس العموم عن الدائرة التي يسكن فيها وقد أرسل خطابًا إلى ابنته يهنئها بعيد ميلادها وبلوغها السن التي تؤهلها للتصويت. في الخطاب يقدم النائب نفسه ويحيل ابنته إلى موقعه وصفحته على الفيسبوك وكافة وسائل الاتصال به. ومن ضمن ما جاء في الخطاب «بوصفي عضو مجلس العموم عن منطقتك، يهمني أن أسمع آراء الشباب في دائرتي»

سلوك عضو مجلس العموم البريطاني كنائب عن الشعب يعكس عُمق الثقافة الديمقراطية في المملكة المتحدة، ومدي الجدية في التعامل مع الناخب، والتواصل الدائم معه بكافة الطرق المتاحة. ماذا يفعل أغلب النواب المصريين!؟ ما مدي تعاملهم الجدي مع هموم المواطن؟ هل يستطلعوا اراءهم في القضايا الأساسية في حياتهم؟

لدينا الكثير لنتعلمه من الغرب والشرق والشمال والجنوب، لكن في كافة الأحوال يجب علينا أن نمتنع عن التمثيل ونمارس الديمقراطية الحقيقية ونسمي الأشياء كما هي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف