الوفد
السيد الغضبان
أول القصيدة كُفر
كنت أتصور أن «إعلام الدولة» المرئى والمسموع رغم كل ما تعرض له من أزمات وانهيارات، ظل يبتعد عن ارتكاب «الجرائم المهنية» التى أصبحت علامة مميزة لكثير من القنوات التليفزيونية الخاصة.
وأبرز هذه «الجرائم المهنية» توجيه التهم لمواطنين، أو مجموعات، وإصدار أحكام قاطعة بالإدانة فى تهم تمس الانتماء الوطنى.
خاب ظنى هذا عندما شاهدت برنامجاً على شاشات القناة الأولى يصدر فيه من يقدم هذا البرنامج أحكاماً قاطعة مانعة على مجموعات «أولتراس» الأهلى والزمالك، مؤكداً فى حيثيات حكمه أن منشأ هذه المجموعات هم من أنشأوا «حركة كفاية»، وأن «الإخوان» وراء هذه المجموعات، ويتولون قيادتها؟!
أعرف أن الشخص الذى يقدم هذا البرنامج يتصور أنه يتقرب إلى القيادة السياسية بإلصاق مثل هذه التهم جزافاً بمجموعات من الشباب جنحوا فى تصرفاتهم ومارسوا عنفاً مرفوضاً رفضاً حاسماً من الأغلبية الساحقة من المواطنين، وتسببوا فى خسائر مادية فادحة للدولة بتدمير منشآت عامة، لكن هذا كله لا يعنى مطلقاً أن هؤلاء ينتمون إلى تنظيم «الإخوان».
وإذا صح هذا الزعم فمعنى هذا أن أجهزة الدولة الأمنية كلها يجب أن تحاسب على غفلتها وتقصيرها، لأنها- أى هذه الأجهزة- لم تستطع بكل ما تملك من إمكانات وقدرات- لم تستطع- أن تكتشف الصلة التنظيمية بين هذه المجموعات «الأولتراس» وتنظيم «الإخوان».
ولو سلمنا بهذا المنطق، فيجب أن يقدم وزير الداخلية ورؤساء الأجهزة الأمنية المختصة استقالاتهم فوراً، وأن يتم تعيين السيد مقدم هذا البرنامج وزيراً للداخلية، ومسئولاً من جميع الأجهزة الأمنية المسئولة عن مكافحة الإرهاب.
أما إذا كانت الأحكام التى أصدرها مقدم البرنامج غير صحيحة أو على الأقل دقيقة، فيجب أن تتم محاسبة مقدم البرنامج هذا فوراً محاسبة «مهنية»، تقوم بها القيادات المسئولة عن ترك مثل هذا الشخص يرتكب «جرائم مهنية» مستغلاً إعلام الدولة الرسمى فى تشويه سمعة مواطنين، والتحريض عليهم باعتبارهم مجموعات تنتمى إلى تنظيم إرهابى.
المشكلة الحقيقية ليست فى هذا الشخص الذى استغل الإعلام الرسمى ليحوله إلى منصة لتلميع أصحاب الحظوة والتحريض على من يراه مقدم البرنامج إرهابيًا أو فاسداً.
المشكلة فى القيادات العليا بماسبيرو التى تتولاها الهيئة الوطنية للإعلام المرئى والمسموع، والتى تصورنا أنها ستحاول أن تنقذ ماسبيرو من أزمته، فإذا بها تبدأ بتوريط ماسبيرو فى «جرائم مهنية» ظل فترات طويلة يتجنب الوقوع فيها.
كان ماسبيرو يواجه الكثير من الأزمات المالية والوظيفية وضعف المنتج الذى يقدمه للجمهور، لكنه مع ذلك ظل على الأقل محتفظاً بقدر معقول من احترام الشاشة والميكروفون، فلا يسمح لمن يخاطب الجماهير بأن يتورط فى مستنقع السباب والتجريح وتوجيه الاتهامات المرسلة.
كان ماسبيرو يفعل ذلك لأن أبناءه تعلموا مهنياً على يد أجيال تحترم «المهنة».
اليوم تفتح الأبواب على مصراعيها لكل الغرباء، ويحرم أبناء ماسبيرو من شاشاتهم وميكروفوناتهم؛ ليحتل هذه الشاشات والميكروفونات غرباء، وأكثرهم دون مستوى خبرة ومهارة الكثيرين من أبناء ماسبيرو.
يا من توليتم أمر ماسبيرو، هذا البرنامج الذى تمخضت جهودكم لتقديمه باعتباره خطوة على طريق إنقاذ ماسبيرو، يعتبر بكل المقاييس تجسيداً للمثل الشعبى الذى يقول: «أول القصيدة كفر».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف