المصرى اليوم
أسامة غريب
الجنة لمن يعمل لايك!
فى بلاد برة تكون العقوبة جسيمة إذا كان المتحرش بالطفل من أقاربه اللصيقين الذين كان من المفترض أن يحموه ويذودوا عنه ويوفروا له الأمان.. والعقوبة الجسيمة تكون هنا منطقية لأنها تراعى أن الطفل قد انهار عالمه بكامله وفقد الثقة فى الدنيا كلها ولن يعود طبيعياً مهما حاولنا تعويضه. وفى بلادنا حيث تغلب الدروشة العلم وتصرعه، وحيث وتسود بين الناس حالة من تقديس رجال الدين والنظر إليهم باعتبارهم من العلماء، رغم أننى أتحفظ بشدة على إطلاق لفظ العلماء على رجال الدين لسببين: الأول أننى أحلم بأن يكون لدينا علماء من الذين تعرفهم الدنيا كلها، أى خبراء فى الطب والهندسة والرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجى، والثانى أننى أشعر بغضب عند إطلاق لقب عالِم على دجال أو بهلوان أو مفسر أحلام. أعود إلى القول إن ثقة الناس فى رجال الدين تجعل وزرهم عظيماً، بالضبط مثل وزر الذين يتحرشون بطفل يثق بهم ويتوقع منهم الخير. من آيات تمجيد وتبجيل الناس لكل من يمتطى حصان الدين أنهم، أى الناس، يتوجهون بسؤال رجل الدين فى أمور لا علاقة للدين أو لرجاله بها، وإنما قد يكون الأصح هو التوجه بالسؤال إلى علماء الاجتماع أو علماء النفس. أسئلة أخرى تذهب للداعية بينما مكانها الطبيعى هو عيادة الطبيب، وأسئلة ثالثة لا يستطيع أن يجيب عنها سوى متخصص فى الاقتصاد، لكن الناس التى تتصور الداعية عالماً تترك أصحاب الشأن والتخصص وتطلب الرأى من الكاهن!.

فى ظل ظروف كهذه يتعين محاسبة رجل الدين المجرم الذى يضلل الناس ويستغل ثقتهم فيه ويفتى فيما لا يعلم ويرفض أن يوجه السائل لأصحاب الاختصاص الحقيقيين. والحقيقة أن الكثير من رجال الدين يعلمون أن البقلاوة والألماظية التى يلهطونها تعود إلى جهل الناس وإلى شيوع الخرافة بينهم، لهذا فإنهم دائمو التأكيد للجمهور على أن الداعية والكاهن هما العلماء، وهذا يستتبعه بالضرورة السخرية من العلم الحقيقى والهزؤ بالعلماء الحاصلين على جوائز فى الطب والفيزياء والرياضيات، ومحاولة إيهام الجمهور بأن المنجزات العلمية لا تساوى شيئاً، لأن الله كما سخر لنا البهائم والأنعام قد سخّر لنا العلماء الأجانب ليخترعوا لنا ونحن على مؤخراتنا قعود، ذلك أن خير أمة أخرجت للناس لا يصح أن تهين نفسها وتقوم بعمل الشغّيلة!.. وبالمناسبة، فهذا الكلام ليس من اختراعى ولكنه كلام أحد الكهنة الكبار الذين يكاد الناس يعبدونهم من دون الله، وهو نفسه الذى حث الناس على عدم علاج المرضى المتأخرة حالاتهم، وعدم إجراء عمليات الغسيل الكلوى، لأن هذه المحاولات تعطل لقاء الإنسان بربه!.. والطريف أن مولانا عندما مرض هرع إلى لندن ليتلقى العلاج ويؤخر لقاءه بربه!. ربما يكون هذا الحديث قد تداعى إلى ذهنى بعد أن رأيت فيديو لداعية نصاب من الدعاة الكيوت، وقف فى صحن الكعبة يؤدى وصلة تمثيل سخيفة يطلب فيها من الله أن يهب الجنة للأولاد والبنات الذى يدخلون صفحته ويعملون لايك للبوستات التى يكتبها!. كان ينقص الفيديو فقط أن يقوم الداعية الناعم بلعن الشباب الذين يتابعون صفحات منافسيه الكواعب من النصابين الجدد!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف