جريدة روزاليوسف
منير عامر
كل سنة وأنا طيب وهذه هى الأسباب
النهاردة العيد، كل سنة وكل إنسان على ظهر الأرض من الستة مليارات ونصف المليار إنسان بخير. وطبعا عدد سكان الكرة الأرضية هو هذا الرقم تقريبًا، أكتب ذلك لأنى عشت ذات نهار قديم حكاية وصول عدد سكان الأرض إلى ستة مليارات إنسان، وكان ذلك فى أوائل التسعينيات. وطبعًا لم اعد اتابع تعداد سكان الأرض لأن المسألة صعبة، فحياة البشر تطول فى الغرب لان الرعاية الصحية ممكنة.
ومنذ نهاية حرب البوسنة والهرسك فى يوغوسلافيا السابقة فضلا عن خلو الغرب من فرص انتشار الأوبئة فهذا يعنى أن عدد من يرحلون إلى العالم الآخر بسيط إذا ما قورن بعدد الراحلين من أهل الجنوب سكان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. كما أن الحروب والأوبئة تنتشر بغير قدرة على حساب أعداد البشر الخارجة أرواحهم ليست مسألة سهلة، ولهذا السبب صرت غير مهتم بمعرفة تعداد الكرة الأرضية حاليًا.
وإذا كان هذا النهار هو يوم يفترض فيه أن تحتفل الكرة الارضية بعيد الاضحى الذى يحمل دلالة سماوية واضحة فى فداء السماء للجنس البشرى بذبح خروف كنموذج أرادته السماء تقديسا لحق الإنسان فى الحياة دون ذبح، فقد فقدَ البشر قيمة الإنسان وصارت هناك قيم أخرى بل إن بعضًا ممن يقولون انهم مسلمون يقومون بذبح بعضهم البعض؛ وتلك مأساة لا أعرف متى يتم الخلاص منها.
ورغم ذلك فهذا النهار يصادف الاول من سبتمبر وهو بالنسبة لى يوم شديد الخصوصية، ففى مثل هذا اليوم من عام 1960 وقفت أمام الراحل الجميل عم إبراهيم خليل مسئول خزينة روزاليوسف لأقبض ثمانية جنيهات ونصف الجنيه هى راتب نصف شهر بعد أن مضى على تعيينى كمحرر بصباح الخير وروز اليوسف خمسة عشر يومًا، وطبعًا كان قرار التعيين قد صدر فى الخامس عشر من أغسطس من نفس العام بعد مرور عامين على وضعى كمحرر تحت التمرين.
ولهذا أقول لنفسى فى كل يوم أول من شهر سبتمبر «كل سنة وانا طيب». وأنظر إلى التسعة وخمسين عامًا التى خلفى باعتزار لأنى تعلمت فيها من إحسان عبد القدوس قيمة الحب الذى يجمع الرجل بالمرأة، وتعلمت فيها من يوسف السباعى قيمة الاهتمام بالشكل سواء من خلال العناية بالملابس أو السلوك؛ من قبل ذلك تعلمت من أحمد بهاء الدين كيفية النظر إلى أثر العالم والمجتمع فى سلوك الشعوب والمجتمعات والأفراد.
ويقف فى الذاكرة فتحى غانم كعملاق أثير قريب من القلب فهو صاحب الإيمان بان اصغر منك بيوم يعرف اكثر منك بعام كامل، وليس على الأكبر سوى تقديم الخبرة ويترك نهر الاندفاع عند الشاب أن يغير الواقع إلى الأفضل، وهو صاحب الفضل فى الإصرار على تعيينى كمحرر فى صباح الخير، ثم يأتى الشاعر صلاح عبد الصبور ليشرح لى مدى قرابة أهل «الكلمة والفن من بعضهم فيؤكد لى ان الكْتَّاب والشعراء والفنانين هم عائلة واحدة، وظل يردد ذلك طوال حياته ويكرمنى بتحف من مكتبته؛ فقد اصطفانى تلميذًا اثيرًا وراح يناقش معى كيف تؤثر لوحة الرسام الجيد فى مسار الشهر وفى روعة التاليف الموسيقي؛ فالفنون عائلة واحدة وأعتبر صداقتى من الفنانين سيف وادهم وانلى هى بوابة رؤية جمال هذا العالم رغم ما فيه من كوارث، ويأتى الفنان مؤلف البشر حسن فؤاد الذى صمم شكل مجلة صباح الخير ثم قضى خمس سنوات فى المعتقل بتهمة الانتماء إلى تنظيم شيوعى.
وعندما عشت بالقرب من حسن فؤاد ومن وزير داخلية عبد الناصر السيد شعراوى جمعة، الذى آمن بأن من قيل عنهم إنهم أعداء ثورة يوليو هم فى الحقيقة المدافعون الحقيقيون عنها، وأولهم من قيل إنهم شيوعيون، وقام بسلاسة غريبة بتغيير عقيدة اجهزة الأمن القائمة على أساس مراقبة أى تنظيم مناوئ لجمال عبد الناصر وثورة يوليو.
وكان حسن فؤاد واحدًا من اعظم المؤلفين لمواهب البشر وصقل تلك المواهب بداية من صلاح جاهين إلى حجازى الرسام إلى يوسف فرنسيس إلى جميع العاملين بروز اليوسف وصباح الخير.
وخلال تولى حسن فؤاد رئاسة تحرير مجلة صباح الخير وفقنى القدر إلى الاستجابة لرجاء عبد الحليم حافظ كى أكتب تاريخ حياته، وقام بالإعلان عن تلك المذكرات فى إعلان تمت إذاعته بالتليفزيون والإذاعة كان من نتيجته ارتفاع توزيع صباح الخير إلى ما يربو عن مائة وخمسة وثمانين ألف نسخة ولم تكن المطابع تستطيع طباعة أى عدد زائد.
وطبعا كان رءوف توفيق الذى يرحب بكل جديد وجاد، كان هو قائد أوركسترا تنفيذ بقية صفحات صباح الخير، وفوق كل ذلك كانت إدارة لويس جريس للمؤسسة مع عبد الرحمن الشرقاوى سندًا جادًا لهذا العمل المؤثر فى تاريخ روز اليوسف المؤسسة.
ولا بد من تذكر الجوهر الذى تعلمته من لويس جريس حين سافر إلى الولايات المتحدة وقضى هناك ما يقرب من عامين، وعندما عاد سألته سؤالًا واحد «أرجو أن توجز لى سر تقدم أمريكا عن بقية الكون؟ فقال الكلمة التى لا تغادر رأسى أبدا ألا وهى «القابلية للتعلم» فعندما تمتلك تلك القابلية فإنك فى مأمن حقيقي.
وتأتى فترة إزاحة السادات لقيادات روزاليوسف ليأتى بشر مهمتهم خصى المقالات من احتمال أى تأثير، وكانت عاصفة لم نبرأ منها لفترة طويلة.
ولا بد ألا ننسى ما فعله أحمد فؤاد رئيس مجلس إدارة بنك مصر والعضو المدنى الوحيد فى تنظيم الضباط الأحرار، وعينه عبد الناصر رئيسًا لمجلس إدارة روزاليوسف ليجعل كل من يعمل فيها فى مأمن من عواصف المرض بتأمين صحى شامل، فضلًا عن قدرة غير عادية ليجعل من روزاليوسف وصباح الخير مرآة حقيقية للخريطة المصرية من وادى حلفا إلى العريش والسلوم طبعًا، مع ذكر الإسكندرية، فلم يكن هناك حادث أو تطور فى الخريطة المصرية إلا وتجد له فى سطور روزاليوسف وصباح الخير تعبيرًا حيًا.
وتمر الأيام ليأتى المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيسًا لمجلس الإدارة هذا القادر على تفكيك أى آلة طباعة وتخليصها من أى أوجاع، وفى نفس الوقت قادر على تفكيك أى مشكلة اجتماعية أو إنسانية عند العاملين تحت قيادته ليجد الحل الإنسانى الكريم. وفى كل الأحوال أجد أن شهادتى لعبد الصادق الشوربجى مجروحة بتلك الصداقة عبر العمل معه، فهو سند فى أيام الشيخوخة.
ولكل ما تقدم أنظر فى مرآة التسعة وخمسين عامًا التى مرت منذ وجودى كمحرر وكاتب بروزاليوسف وصباح الخير لأقول لنفسى «كل سنة وأنا طيب».. وتلك هى معايدتى لنفسى ولمن أحب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف