الجمهورية
د . ضحى أسامة راغب
رسالة إلي الحفيد
يولد الإنسان ببراءة الملائكة وهو لا يعرف شيئاً ورويداً رويداً تنمو مداركه وتأخذه في الاتساع ليتعلم ممن حوله ويقتدي بهم حتي يكبر ويصير مثلهم ليعتمد علي نفسه في تنمية مهاراته. وعندما ينظر الإنسان إلي ما يدور حوله من أمور وأشياء يجدها تتكرر كأنها ومضة من ومضات الزمن الجميل.. وهنا تأتي القدوة علي اعتبار أنها السبيل للتعلم حيث يبحث المرء بالفطرة والطبيعة التي خلقه الله عليها علي شخص ما كي يقتدي به ويتعلم منه. فينظر الابن إلي أباه وينبهر بحكمته واحترامه وحب الناس له. فيتحول اعجاب الابن لأبيه إلي تحديد ملامح القدوة ويسأل نفسه ما هو أفضل نموذج يجب أن يقتضي به. فلا يجد الابن إلا أباه. فالأب هو القدوة الأولي للأولاد من الطبيعي أن يأتي الأب في مقدمة من يقتدي بهم الأولاد. حيث يكون الأب هو الشخص الأول والبطل الأول في تكوين شخصيات أولاده. فكل مراحل نمو الأولاد تتكون علي مرأي ومسمع من الأب. ليكون الأب هو المثل الأعلي والقدوة الأولي في حياة الأولاد. ويري الابن في أبيه والحفيد في جده النموذج المشرف الذي ينبهر به هو قبل الجميع. يري أمامه شخص يحفر بالصخر. ويطرق باستمرار علي الحجر لكي يلين. يري نموذج رائع ذو خلق رفيع ومتسامح ومتعاطف مع الآخرين وهنا يسأل الابن نفسه: لماذا والدي دائماً من المبتلين؟ يتوجه إلي الحياة الصعبة سائلاً ألا تتركين هذا الشقي ليرتاح قليلاً من كل هذا الأنين! وهنا يأتي قول رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ بأن هذا ليس بلاداً بل محبة الله لأبيه "إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم. فمن صبر فله الصبر. ومن جزع فله الجزع" وهذا دليل علي محبة الله له. فالبلاء دائماً دليل خير. وليس نذير شر. وصح قول رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون" ولا ينبغي لمن ابتلي أن يجزع أو يسخط. بل عليه الصبر والاحتساب. فهو مثاب من حيث لا يشعر.
وتمر الأيام وتستبدل الأماكن وتدور الدائرة ويصبح الابن أباً له أولاد ينظرون إليه نفس نظرة الابن السابقة لأبيه. ويتذكر مبتسماً أن والده وهو الجد قد ورثه نموذج من القدوة والرشد والعقل سيتوارثها أبنائه. هذا الإرث الذي تتناقله الأجيال بشكل لا إرادياً من الأب للابن ومن الابن إلي الحفيد. وينظر الحفيد لأبيه ليري في عينه صورة لجده ويري صورة الإرث الذي اكتسبه عن أبيه يري صفاء القلب الذي صنعته رقي الأخلاق. وجمال القول وحسن التصرف فهنيئاً لقلوب تصبح وتمسي ــ لا تحمل سوي الخير للناس فالحياة ليست طويلة كي نجرب كل شيء. ولا تعتبر قصيرة لنتذكر كل شيء. ولكنها جميلة إذا ما أيقنا أنها لا تساوي شيئاً.
فإذا أردت أن تعيش حياة مليئة بالفرح والرضي فما عليك إلا أن تجعل التفاؤل والسعادة منهجك وهدفك في الحياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف