المصرى اليوم
ايمن الجندى
ثبوت القرآن ليس كثبوت الأحاديث
الغيرة على الإسلام فرض على كل مسلم. لكن الغيرة الحقه هى تلك التى تميز بين ما هو مقدس فى ذاته وبين ما يتسع الأمر للاختلاف عليه. ذلك أن كثيرا من أصحاب العاطفة الدينية الجياشة يخالون أن أى مراجعة لحجية الأحاديث هدفها خبيث، وتهدف إلى الطعن فى الدين، مع أنها قد تكون باب رحمة.

هؤلاء حجتهم أن الصحابة الذين نقلوا السنة القولية هم أنفسهم الذين نقلوا القرآن، وبالتالى يكون نفى السنة مساويا لنفى القرآن، وإثباتها مساويا لإثبات القرآن.

هذا قول باطل من عدة وجوه:

الأول (القرآن): أن الله تعهد بحفظ القرآن ولم يتعهد بحفظ كلام الرسول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

الثانى (فعل الرسول): فالنبى صنع كل ما فى وسعه لحفظ القرآن، سواء بحث الصحابة على حفظه، أو بكتابته. والعكس هو ما حدث بالنسبة لكلامه حيث حرق ومحى كل الصحائف التى تحتوى كلاما غير الله، خوفا من حدوث الاختلاط.

الثالث (الصحابة): جمع القرآن حدث بمجرد وفاة الرسول، بعد حروب الردة فى خلافة أبى بكر. بينما لم يبدأ جمع السنة النبوية إلا فى عهد عمر بن عبدالعزيز بعد مرور أكثر من مائة عام.

الرابع (أمة الإسلام): نقل القرآن أمة عن أمة، يتلونها فى صلواتهم، ويختمون القرآن باستمرار، منذ أول عصور الإسلام، بينما بقى الحديث مودعا فى صدور من استجمعوه، وقلة من الصحابة من كانت تحدّث. ولنا فى اختلاف السيدة عائشة مع أبى هريرة وقولها إن النبى لم يكن يحدّث بهذه الطريقة، ولنا فى نهى الخليفة عمر عن كثرة الحديث مغزى.

الخامس (التاريخ): لشد ما اقشعر بدنى حين شاهدت صورة لأقدم قرآن مكتشف، والذى تم الإعلان عنه فى السنة الماضية، بنفس الحروف والكلمات كما هى مسطورة فى المصحف الذى نمسكه بين أيدينا الآن. فثبت أن القرآن محفوظ، كما لم يحدث لأى كتاب آخر فى تاريخ البشرية.

السادس (العلماء): ظل علماء الإسلام يتناولون بالنقد أحاديث الرسول حتى تلك المدونة فى صحيح البخارى. بينما لا يتسع الإيمان للمسلم أن يشكك فى آية واحدة من كتاب الله ثم يظل بعد ذلك مسلما.

السابع (سوء الفهم): معظم المُستنفرين أصحاب العاطفة الجياشة لا يفرقون للأسف بين السنة القولية والسنة العملية المتواترة- كأحكام الصلاة وشعائر الحج- التى لها حكم القرآن من حيث الحجية والثبوت. فأرجو ألا أقرأ تعليقا يقول: إذا شككت فى السنة فكيف سأصلى؟ لأن الكلام عن السنة القولية وليس العملية التى تناقلها المسلمون أمة عن أمة كالقرآن الكريم سواء.

■ ■ ■

ليس معنى هذا أننى أهوّن من شأن السنة التى وصلت إلينا. حاشا لله لا أقصد هذا. ولكن توجد بضعة أحاديث قليلة جدا تثير بالفعل الارتباك، يتعقبها البعض بحسن نية أو بسوء نية (الله أعلم بقلوبهم) فيشككون بعض المسلمين فى صحة دينهم ككل.

والقاعدة التى أسير عليها: إذا كان المسلم قويا فى اعتقاده، فإنه يسعدنى أن يؤمن بصواب جميع الأحاديث الصحيحة، ولا أحاول أبدا تشكيكه فى اعتقاده.

أما من أشعر أنهم على وشك الانسلاخ من الدين كله بسبب بعض الأحاديث المربكة، فإننى أطالبه بأن يكتفى بالقرآن ويذر السنة القولية. فالقرآن هو الإسلام والإسلام هو القرآن، ولا بأس عليه أن يعتقد فى عدم صحة هذه الأحاديث.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف