الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
التدين الصناعي
التدين الصناعي.التدين الشكلي. التدين السياسي. التدين التجاري. التدين الزائف. التدين المزيف. النفاق. كلها مصطلحات تدور في فلك واحد هو فلك استغلال الدين في غير ما أنزل له وما شرع له من هداية الخلق ومراعاة مصالح البلاد والعباد.
التدين الصحيح يعني القيم. الأخلاق. الفضائل. العزة. المروءة. الشموخ. الصدق. الاخلاص. الأمانة. الوفاء. العدل. الفهم. الوعي. الحكمة. الرحمة. التراحم. التعاون. التعايش. الرضا. الطمأنينة. السكينة. العطاء. الايثار. الادب. الذوق. اللياقة.
التدين الصحيح يرفض الظلم. والبغي. والأثرة. والأنانية. والغدر. والخيانة. وحروب الازاحة. والمؤامرة. والكذب. والغش. والتدليس والتزوير. والتلون. والنفاق. وقول الزور. وعمل الزور. وشهادة الزور. وأكل السحت. وأكل الربا. وأكل مال اليتيم. وتطفيف الكيل والميزان. وسائر الفواحش والموبقات.
التدين الحقيقي لا يمكن ان يكون صاحبه متاجراً به. أو يعمل علي استغلاله وتوظيفه لمنافع الدنيا. التدين الحقيقي سمو ورقي وقيم عالية وأخلاق نبيلة.
التدين الحقيقي لا يعرف القتل ولا سفك الدماء. ولا تناول الأعراض ولا استباحة الدماء فقد تختلف الشرائع في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان لكن الأخلاق والقيم الانسانية التي تكون أساساً للتعايش لم تختلف في أي شريعة من الشرائع يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "ان مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي إذا لم تستح فاصنع ما شئت" "أخرجه البخاري".
وأروني أي شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق أو أباحت عقوق الوالدين أو أكل السحت. أو أكل مال اليتيم. أو أكل حق العامل أو الأجير.
وأروني أي شريعة أباحت الكذب. أو الغدر أو الخيانة. أو خلف العهد أو مقابلة الحسنة بالسيئة.
بل علي العكس فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت علي هذه القيم الانسانية السامية من خرج عليها فإنه لم يخرج علي مقتضي الأديان فحسب وإنما يخرج علي مقتضي الانسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
ولهذا قال ابن عباس "رضي الله عنهما" عن قوله تعالي: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون* ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون* وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" "سورة الانعام: 151-153" هذه آياب محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب وهي محرمات علي بني آدم جميعاً وهن أم الكتاب أي: أصله وأساسه من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار.
فجميع الأديان تجمع علي حرمة قتل النفس وحرمة عقوق الوالدين وحرمة أكل مال اليتيم أو أكل أي من أموال الناس بالباطل وضرورة العدل في القول والعمل والقسط في الكيل والميزان مع تقوي الله "عز وجل" في السر والعلن يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم" : "الأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتي ودينهم واحد".
غير اننا ابتلينا بأقوام فسروا الدين بأهوائهم ووظفوه لمصالحهم ومصالح جماعاتهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويلوون أعناق النصوص ويوظفونها لما يخدم أغراضهم غير النبيلة ولا الشريفة يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة "صحيح البخاري" علي أن هذا الردع لهم لا يقوم به أحاد الناس أو بعضهم وإلا لصارت فوضي انما هو شأن مؤسسات الدولة التي ينظم عملها الدستور والقانون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف