الأهرام
د/ شوقى علام
نحو مجتمع أمن مستقر.. الحج استباق للخيرات والعمران
جعل الله تعالى شهر ذى الحجة زمانا مباركا وموسمًا عظيمًا تنهل منه الأمة المحمدية من البر والتقوى ما لا يمكن حصره ووصفه؛ ففى هذه الأيام ينهل الحاج من هذا الموسم المبارك الرحمة والمغفرة المنزلة على أهل الموقف بأداء شعائر الحج والعمرة حتى إنه حين يرجع إلى وطنه وأهله وقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، مع سمو الروح وعظيم الأجر وإجابة الدعوات.

كما أن غير الحاج يتعرض لرحمة الله تعالى وفضله العميم المبثوث فى هذا الزمان المبارك بالاجتهاد فى العبادة وعمل الخير وممارسة الخيرات، وقد ثبت أن الأجر والثواب المترتبين على الصالحات فيها يفضلان فعل نفس هذه الأعمال فى باقى أيام العام؛ فعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله فى عشر الأضحي.. الحديث»(سنن الدَّارِمي/ 1815)، وفيه إشارة إلى فضل هذه الأيام وما فيها من عمل صالح دون تفضيل أو تعيين مما يؤكد أن هذا التفضيل يتحقق لجميع الأعمال الصالحة بأنواعها وللعبادة بألوانها. وهذا يؤكد على رحمة الله تعالى العامة الشاملة للخلق كافة، وأن هذه الأمة مرحومة بيسر الإسلام وسماحته حيث ألحق الشرع الشريف بعض الأعمال الصغيرة بالحج والعمرة فى الثواب والأجر ترغيبًا للعاملين، فضلا عن فعل الأمور المستحبة لغير الحاج كالذكر والتحميد والتكبير، والصيام خاصة يوم عرفة، وذبح الأضاحى للقادر عليها، فكان فى ذلك بَدَلٌ طيب وموسم كبير لمن لم يُيسر له أمر الحج من عامه؛سواء كان لعدم الاستطاعة المالية أو ضعف فى القدرة البدنية. ومن الأعمال التى يزداد فضلها فى هذه الأيام: المشى مع الطهارة إلى المسجد لأداء الصلاة المكتوبة، وكذلك جلوس المسلم فى المسجد ذاكرا لله أو لو رجع إلى بيته واستمر على الذكر بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فثوابها كأجر حجة وعمرة تامة كما فى الحديث الوارد فى السنن.

ومنها أيضا: تعلم العلم وتعليمه وكذا الإتقان فيه، والعلم فى الاصطلاح القرآنى والشرعى يعنى إدراك الأشياء على حقائقها التى هى عليها، وهو بذلك لا يقتصر على العلوم الدينية، بل يشمل العلوم الكونية والدنيوية أيضًا. ولا ريب أن هذه الأعمال تُعَدُّ من جملة المطلوبات، وداخلة ضمن العمل الصالح لعموم الأدلة؛ إلا أنها تتأكد فى هذا الشهر وتلك الأيام لما يناله فاعلها من الثواب والأجر، خاصة تلك العبادات المتعدية النفع الراجحة فى الثواب والأرجى فى القبول، كالمساهمة فى أعمال الخير وتنمية المجتمع وإنعاش الاقتصاد ومواساة الفقراء وأصحاب الحاجات ومساعدة المرضى غير القادرين وسداد ديون المدينين، وقد ورد ذلك فى بيان النبى صلى الله عليه وسلم لأصناف الناس الذين يحبهم الله تعالي، وتحديد أى الأعمال أقرب إليه سبحانه، بما يؤسس فى صياغة شخصية المسلم وسلوكه وفق أسلوب جامع حكيم، فيقول صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضى عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشى مع أخ لى فى حاجة أحب إلى من أن أعتكف فى هذا المسجد، يعنى مسجد المدينة، شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله عز وجل قلبه أمنا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه فى حاجة حتى أثبتها له أثبت الله عز وجل قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام». وبذلك يستفيد المسلمون فى هذه الأيام الكريمة من فرصها العظيمة التى تجعلها موسمً خير وفضل فى العمل الصالح واستباق الخيرات، وميدانًا فسيحًا للكسب والعمران، مع توطين النفس على القيم والفضائل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف