اليوم السابع
عباس شومان
ميراث المسلمة من تركة زوجها غير المسلم
سبق القول فى مقال سابق بأن المسلم له أن يتزوج من امرأة غير مسلمة، ولها أن تبقى على معتقدها شريطة أن تكون كتابية، وأنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير مسلم، وأبين أنه لا علاقة للمسألة بالتحيز للإسلام، بل للحفاظ على المودة المنشودة من الزواج، حيث إن المسلم يؤمن بعقيدة زوجته ومأمور باحترامها وتمكينها من أداء شعائرها فى كنيستها أو معبدها فتستقيم الحياة بينهما مع اختلاف الدين، بخلاف المسيحى أو اليهودى فهو لا يؤمن بالإسلام ورسوله، ودينه لا يأمره بتمكينها من أداء شعائر دينها فتبغضه لذلك.

ولهذا السبب منع زواج المسلم من غير الكتابية، لأنه لا يؤمن بمعتقدها كالهندوسية، ومن لا تؤمن بدين، ولا يأمره إسلامه بتمكينها من أداء طقوسها، بل يوجب عليه منعها من عبادة النار والكواكب ونحوهما فتبغضه وتفتقد المودة المنشودة فمنع من زواجها حفظا لكرامتها من الامتهان، وعيشها مع شخص لا تحبه ولو كان أفضل منها دينا.

ومع أن زواج المسلمة من غير المسلم لا يجوز فى شريعتنا إلا أن الواقع يوجد بعض صور هذا النوع من الزواج كزوجين تزوجا وهما على غير الإسلام فأسلمت الزوجة وبقى زوجها على غير الإسلام، وهذا الزواج بهذه الصورة أفتى بعض فقهاء العصر فيها ببقاء الزوجية بينهما، لاسيما إذا كان فى مفارقة المرأة ضرر ومخاطر، ومن ذلك ألا يكون لها مأوى يؤويها، أو أسرة تحتضنها، أو عمل تتعيش من دخله، وقد يترتب على ذلك ردتها عن إسلامها فى وقت لا يمثل إسلامها غضاضة عند زوجها الذى أحبها ولا زال على محبته لها، لأنهم لا ينظرون إلى الزواج كرباط شرعى، وإنما كعقد مدنى.

كما يتصور حصول هذه الحالة فى المسلمة التى فارقت زوجها لدخولها فى الإسلام وعدم خوفها الضياع أو الارتداد لاستقرار حياتها من دونه لكنها مازالت فى عدتها أثناء موت زوجها غير المسلم لما هو معلوم من أن العدة من توابع الزوجية وتبقى المرأة أثنائها على حكم الزوجية، ويتصور وجود هذه الحالة أيضا على رأى الحنفية، حيث لا يفرقون بين المسلمة وزوجها بمجرد إسلامها دونه أو ردته عن إسلامه إن كان مسلما وبقاء زوجته المسلمة على دينها، بل تبقى زوجة حتى صدور الحكم القضائى المفرق بينهما وقد يموت الزوج قبل صدور هذا الحكم.
ولما كان وجود الزوجية بين المسلمة وغير المسلم ولو مؤقتا متصورا كان من الضرورى بيان حكم ميراث هذه الزوجة المسلمة من تركة زوجها غير المسلم إن مات وهى زوجة كالمسلمة فى بلاد الغرب التى لم تستطع ترك زوجها بعد دخولها فى الإسلام خوفا من ضرر يلحقها، أو مؤقتا كهذه التى فارقت زوجها بعد إسلامها، وما زالت فى العدة أو التى ارتد زوجها ولم يصدر حكم التفريق بينهما.

والفقهاء قد اختلفوا فى هذه المسألة تبعا لاختلافهم فى مسألة ميراث المسلم من غير المسلم بصفة عامة، حيث يرى بعضهم عدم التوارث لأن اختلاف الدين مانع من الميراث مطلقا لقوله، صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم»، فكما لا يرث غير المسلم قريبه المسلم أو زوجته المسلمة فكذا لا يرث المسلم قريبه غير المسلم، ولا ترث المسلمة زوجها غير المسلم.

بينما يرى فريق آخر أن المسلم يرث قريبه غير المسلم، وأن هذا يعنى أن المسلمة ترث زوجها غير المسلم، وممن كان يقول بذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز، حيث كان يقول: «نرثهم ولا يرثوننا كما نتزوج نساءهم ولا يتزوجون نساءنا».

والحقيقة أن ميراث المسلمة من زوجها أو قريبها غير المسلم لا ينبغى أن يكون محل خلاف فى زماننا، وأنه ينبغىالقول بميراثها، وذلك لما هو معلوم عند علماء الأصول من أن الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، ولما كانت صور حصول الزوجية بين المسلمة وغير المسلم حاصلة بالفعل فى زماننا، ولما كان اختلاف الدين لا يمثل مشكلة لدى البعض لاسيما فى بلاد الغرب، وأن قوانين هذه الدول وأنظمتها لا تمنع التوارث بسبب اختلاف الدين، فلا يعقل أن تكون مكافئة المسلمة التى تركت ما كانت عليه ودخلت فى الإسلام من قبل دينها الذى دخلت فيه حرمانها من ميراث يمكنها أخذه وإلا عد هذا عقابا على دخولها فى الإسلام، وهذا لا يقول به إلا من جمدت عقولهم على منقولات السابقين التى حذرونا هم بأنفسهم من الجمود عليها وعدوا ذلك من الضلال فى الدين والجهل بمراد علماء المسلمين.

ولذا علينا القول بأن الزوجة المسلمة ترث زوجها وقريبها غير المسلم فإن كان فى بلادنا أمكننا تطبيق ذلك، وإن كان فى بلاد لا سلطان لنا عليها كبلاد الغرب فإن قوانينهم إن كانت لا تمنعه فلا ينبغى أن تكون فتاوانا حجر عثرة لعقاب المسلمين والمسلمات هناك، وإن كانت قوانينهم تمنعه فلن يرضخوا لإفتائنا باستحقاقها الميراث ولكن على الأقل نكون قد ساندناها ولو معنويا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف