المصرى اليوم
ايمن الجندى
حروب دولة الرسول: انتقادات وردود
أثار مقالى عن كتاب القمنى «حروب دولة الرسول» ردود فعل عديدة. سأتعالى بالطبع عن الإساءات الموجهة لشخصى، وسأوجه عنايتى للنقد الموضوعى لهذا المقال.

أهم هذه التعليقات من وجهة نظرى هو: «المقال ضعيف، فالكاتب ترك كل الوقائع والأدلة والتاريخ وأفتعل حدثا خارج الكتاب، وهو إذا كان القرآن منزلا أم لا!، وهذه قضية لم يتطرق إليها القمنى، ثم بدأ فى الدفاع عن القرآن».

وهناك تعليق آخر يقول: «استغربت جدا قوله (ألم يرق قلبك لسماع القرآن؟). أى نوع من أدوات النقد هذه؟ نقد عاطفى؟!».

■ ■ ■

ردى كالتالى:

لا يمكن الفصل بين أفعال الرسول وبين كونه نبيا صادقا أم لا؟، لأننا ببساطة لا نتحدث عن زعيم قومى ولا مصلح اجتماعى. ولكن عن رجل يزعم أنه نبى. لذلك لا يمكن تقييم أفعاله بمعزل عن القضية الكبرى: «هل هو مبعوث من السماء أم لا؟ وهل القرآن الذى يسير على هديه كان وحيا ربانيا أم تأليفا بشريا؟».

■ ■ ■

نحن أمام أحداث يمكنك تفسيرها بطريقتين. إما أن تحسن الظن كونك آمنت بأنه نبى فتقول إنه مُسدد من ربه ومهدىّ. وإما أن تسىء الظن فتقرأ كل ما حدث باعتبارها انتهازية سياسية. على سبيل المثال، ذكر القمنى فى كتابه أن الملأ من قريش حين ناصبوا النبى العداء لم يجد أمامه سوى الضعفاء والعبيد. وقتها هاجم القرآن الذين يكنزون المال والفضة. ولكن هذه الروح الأممية اختفت تماما بعد انتصاره وتمهيده لسيادة قريش التى كان يقصدها من الأصل!، فهل هذا التفسير الميكافيلى يمكن أن يتفق وقدسية القرآن؟،

هل اغتيال للمعارضة (هكذا سمّاها القمنى) لإسكات الصوت الآخر، والتحجج بأسباب واهية لذبح بنى قريظة الذين لم يصلوا إلى فعل الخيانة، والتلاعب بالأنصار من أجل الوصول لدولة قريش وتنحيتهم بعد ذلك، وحين يحزنهم عطاؤه لقريش فإنه يؤثر عليهم بالكلام المعسول. هل هذه التفسيرات تتسق مع المصدر العلوى للقرآن؟.

كل إنسان حر فيما يختار من حسن الظن أو سوء الظن بتفسير أفعال الرسول. لكنك حين تفسر أفعاله بهذه الطريقة المتلاعبة فأنت تطعن مباشرة فى نبوته، لأن الله- بديهية- لا يرضى بالظلم والخداع.

■ ■ ■

النبى قدّم القرآن باعتباره دليل صدق نبوته الوحيد. ونحن بعد عشرات القرون مازلنا نصدقه لأن القرآن حاضر بين أيدينا يزلزل قلوبنا، فأصل المسألة هو القرآن. يراه المؤمنون معجزا فى بلاغته كما فى محتواه أيضا. ذلك التوحيد الباهر فى كل آية، وكمال صفات الله عز وجل، وهيمنته المطلقة على هذا الكون، والظواهر الطبيعية التى يراها الإنسان كالشمس والقمر، والنجوم والكواكب، والزرع والحصاد، والموت والحياة، ثم ربط ذلك كله بالخالق، حتى يصير الكون لحمة واحدة عابدة ساجدة لله رب العالمين.

تاريخ النبوات ودعوة التوحيد المتصلة، مصائر السابقين حين كذبوا رسلهم، أحوال الدار الآخرة بين جنة ونار. وتلك المناشدة الحارة للإنسان أن يستقيم لربه. وما تفيض به الآيات من الحكمة والوصايا الأخلاقية. هذا هو القرآن المعجز، الذى جاء به الرسول كدليل أوحد على صدق نبوته.

............

أبدا أنا لم أترك الوقائع وأفتعل حدثا خارج الكتاب!، من يفسر أفعال الرسول بطريقة مسيئة، ويتعقب العورات، ويختار أسوأ التأويلات، فمن الطبيعى تماما أن أترك الهوامش وأدخل إلى لب الأمر فأسأله عن إيمانه بالمصدر العلوى للقرآن.

هذا هو صميم المسألة وليس جرا إلى مساحة أخرى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف