المصريون
طه خليفة
جاء ليشعل مزيداً من النار !
العالم لم يكن في حالة أفضل قبل فوز ترمب برئاسة أمريكا، لكنه لن يتحسن بعد دخوله البيت الأبيض، وتجربة الأشهر السبعة الأولى في حكمه تؤكد أن أمريكا نفسها، ومعها العالم، يتجهان ناحية الأسوأ، ونتذكر ما قاله فرانك فالتر شتاينماير حينما كان وزيرا لخارجية ألمانيا، قبل أن ينتخبه برلمان بلاده رئيسا في مارس الماضي، من أن العالم سيندم على أوباما، وكان هذا السياسي الألماني المخضرم والدبلوماسي المحنك يقرأ بخبرته، خلال فترة التنافس الانتخابي بين هيلاري وترمب، ماذا يمكن أن تؤول إليه الأوضاع لو فاز المرشح الجمهوري.
شتاينماير وجه لـ ترمب انتقادات شديدة، ووصفه بأنه داعية كراهية، وأن على العالم الاستعداد لحقبة مضطربة، واليوم فإن ما قاله السياسي الألماني يجد صداه على أرض الواقع من فوضى مدمرة تثيرها سياسات وتصرفات حمقاء للرئيس الأمريكي.
تلك الفوضى تضرب أمريكا في الداخل، وتمتد للخارج لتشعل مزيدا من الأزمات والصراعات والنيران، وتهدد بحروب جديدة في مناطق أخرى غير الشرق الأوسط المنكوب بالحروب والتي لا يعمل ترمب على احتوائها، بل يزيد من أوارها.
بنظرة على أحدث سلوك كراهية يضرب أمريكا وتعايشها، وهو ارتداد متوقع لطبيعة العقلية الحاكمة في البيت الأبيض، فقد حول المتطرفون من اليمين القومي مدينة "تشارلوتسفيل" في فرجينيا قبل يومين إلى ساحة معركة باحتجاجاتهم العنصرية ضد متظاهرين آخرين خرجوا دفاعا عن قيم التسامح، والانفتاح، ونبذ التعصب، ورفض الشعبوية البغيضة، يشعر المتطرفون القوميون بالانتشاء في ظل ترمب، ولذلك يستعيدون أسوأ ما في الإرث الأمريكي القديم من ممارسات لا إنسانية في التفرقة العنصرية، وتهديد التعايش المشترك، واستعلاء العنصر الأبيض على ماعداه، ولذلك لا غرابة أن تطل برأسها إشارات لجماعات إجرامية مثل "كوكلاس كلان"، وأن يدهس متطرف المحتجين المناوئين فيقتل امرأة، ويصيب العشرات، وبذلك يجد الأمريكان أنفسهم أمام استعادة أحد مشاهد التاريخ المجلل بالسواد لبلادهم، ثم يتأخر ترمب في الإدانة، وعندما يفعل، فإنه يوزعها على جميع الأطراف، يمالئ شريحة التطرف القومي التي دعمته، ولا تزال تمثل جزء من قاعدته الجماهيرية.
أمريكا من الداخل تعيش حالة غير مسبوقة من الأداء الرئاسي المتدني، والارتباك داخل الإدارة الحاكمة، والانقسام بين أركانها في قضايا عديدة، ومن نتائج ذلك إقالة أو استقالة عشرة من مساعديه وكبار المسؤولين في زمن قياسي، وتصاعد فضيحة الاتصالات السرية مع روسيا، وتدخلها في الانتخابات، وهي القضية التي تهدده بفقدان منصبه، وهو غير موثوق فيه بالقدر الكافي من حزبه الجمهوري، الحزب يتصرف بأغلبيته التي يحوزها في الكونجرس، والتي يُفترض أن تكون لصالح سياسات ترمب، بنوع من الوصاية عليه لتقييده عن ارتكاب الحماقات.
داخليا يتحول ترمب سريعا إلى ما يشبه البطة المشلولة، ويفقد هيبته ولياقته الرئاسية، وينتقل من إخفاق إلى آخر، وقد تكون نهاية رئاسته في أي وقت، أو على الأقل تكون رئاسة لمرة واحدة فقط.
وخارجيا فإنه لم يفلح في التقارب مع روسيا، وهو حلمه الذي يتبدد، رفض الجمهورين مسلكه، وكبلوه، وجعل الكونجرس العلاقات الأمريكية الروسية خلال شهور قيلة من رئاسته مشابهة لما كانت عليه خلال الحرب الباردة.
ولم يكن حكيما في التعامل مع كوريا الشمالية وإيران، فأشعل أزمة عنيفة مع البلدين، ولذلك تمضي كوريا غير عابئة في برنامجها النووي، وتطوير منظومتها الصاروخية البالستية التي صار مداها يصل لكل أمريكا، وتهديده لها بغضب ونار لم يشهده العالم من قبل، يجعل بركان الخطر على شفا الانفجار في منطقة متوترة ومتفجرة تاريخا، وقد صّعدت إيران أيضا، واتخذت إجراءات إضافية لتطوير منظومتها الصاروخية، فالخطر يدفع أي بلد لحماية نفسه، بأي ثمن حتى لو كان ضد القرارات العقابية الصادرة عن مجلس الأمن، وقد هدد فنزويلا بإمكانية التدخل العسكري على خلفية الأزمة الداخلية بين النظام والمعارضة، بدل محاولة لعب دور للتخفيف من الانقسام والصراع في هذا البلد.
وقبل أكثر من شهرين منح ما يشبه الضوء الأخضر لانطلاق شرارة الأزمة الخليجية، ومن العجب أن يحدث ذلك من رئيس حليف لكل الأطراف، وفي منطقة مهمة لمصالح بلاده، ولأمن الطاقة، والاستقرار العالمي، والأصل أن يكون عامل تهدئة وحل، وليس عامل تأزيم وتعقيد.
نعم، عهد أوباما لم يكن عنوانا للسلام العالمي، لكن على الأقل لم يصل للتصعيد مع كوريا لهذه المرحلة، وتم إيقاف النووي الإيراني، ولم يهدد فنزويلا عسكريا، ولم يكن الخليج يعيش حالة خصام كم هو اليوم، ترمب المهووس بالحرب، كما وصفه الرئيس الكوري، لا يدرك معنى أن تكون أمريكا القوة العظمى التي يتوجب عليها القيادة المسؤولة للعالم نحو الأمن والسلام والاستقرار؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف