المساء
جلاء جاب اللة
خرافات فلكية
رغم أننا في عصر العلم والتكنولوجيا.. مازال للخرافة مكان في قلوب وعقول البعض حتي المتعلمين منهم.
كل يوم نسمع ونري ونتابع خرافة ثم نأخذها مأخذ الهزل بعد الجد وتتحول إلي نكات شعبية بعد أن كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتعامل معها كأنها حقائق علمية.. وأن نهاية العالم قد اقتربت بالفعل.
الحديث عن نهاية العالم لأسباب فلكية لم يتوقف في السنوات الأخيرة.. وكان آخرها عن توقعات باصطدام ما اسموه كوكب اكس أو كوكب نيبرو بالأرض.. وأن هذا الاصطدام سيكون مروعا وأنه سيحطم الأرض تحطيما ليعلن نهاية العالم.
الغريب أن بعض الشباب الذي يدعي الثقافة نشر هذه الاشاعات والخرافات الفلكية بتأكيدات علي لسان خبراء الفلك في العالم والبعض كان يترجم ما ينشر في بعض الصحف أو المواقع الاخبارية وكأنه حقائق علمية.
ورغم أن بعض خبراء الفلك في مصر أكدوا عدم صحة هذه الأكاذيب وأكدوا أنه حتي لا يوجد ما يسمي بكوكب إكس أو كوكب نيبرو أساسا ناهيك عن عدم وقوع حادث تصادم مروع مرتقب.. لكن هؤلاء لم يهتموا بما قاله الخبراء واهتموا فقط بما يردده المهاويس وأصحاب النزعات المريضة الذين يحاولون ربط أي ظاهرة فلكية بنهاية العالم قسرا وبلا برهان.
ولأنها ليست المرة الأولي التي نتابع فيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي باتت الوسيلة الإعلامية الاولي في العالم مثل هذه الخرافات عن نهاية العالم استغلالا لظواهر فلكية فقد حاولت أن أعرف ما هي هذه الظاهرة التي استغلها هؤلاء المهاويس وتأثر بها الناس بشكل غريب.. فوجدت انها ظاهرة فلكية تحدث كثيرا واننا سنشاهدها مشاهدة طبيعية بالعين دون الحاجة إلي تليسكوب أو أي نظارات.. وهي ظاهرة شهب البر شاويات والتي تعد من الظواهر الفلكية الجميلة وهي ظاهرة جميلة غير ضارة حيث تنطلق شهب عديدة من نقطة واحدة وتدخل مخلفات المذبنات في الفضاء الخارجي إلي الغلاف الجوي بشكل بديع حيث ستكون ظاهرة هذا العام ـ طبقا لتوقعات علماء الفلك ـ هي الكبري منذ قرن تقريبا من حيث عدد الشهب التي سيكون مصدرها المذنب سويفت والذي سبق ان شاهد العالم انطلاق شهب عديدة منه من قبل ولم يكن لها أي تأثير ضار بالصحة أو حتي بالغلاف الجوي.
هذه الظاهرة ـ أقصد ظاهرة الخرافات الفلكية والتي أدت إلي بلبلة كبيرة لدي قطاع كبير من الناس ليس في مصر وحدها بل في كثير من دول العالم تدعونا إلي أن نفكر جديا في عدة حقائق:
أولاً: العقيدة الدينية لدينا سواء كانت اسلامية أو مسيحية أو حتي يهودية حددت أشراطاً وظواهر تكشف اقترابنا من نهاية العالم ـ وليس من بينها أو فيها هذه الظواهر الفلكية.
ثانيا: وإذا قلنا إنها ليست علامات لاقتراب الساعة أو ظواهر تكشف عن نهاية العالم بل هي مجرد أدوات أو آليات تساعد في ذلك فالسؤال الطبيعي هو: وأين هي أشراط الساعة التي اتفق عليها كل الشرائع والأديان.. خاصة المهدي المنتظر والمسيخ الدجال ونزول عيسي عليه السلام إلي الأرض أو حتي الأشراط التي اتفق عليها كل دين علي حدة مثل أن تلد الأمة سيدتها مثلا كما ذكر الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم.
ثالثا: لم يعد مقبولا أن نترك مواقع التواصل الاجتماعي بدون متابعة أو تصويب.. فإذا كانت هذه المواقع حرة في أن تقول ما تريد كما تريد أينما تريد كيفما تريد وعلي المتضرر ألا يتابعها فإن هذا لم يعد مقبولا الآن كما كان من قبل لأن بعض هذه المواقع قد يكون منابر للارهاب مثلا أو منابر للإساءة إلي الأديان السماوية أو وسائل للفتنة في المجتمع.. وهنا يجب أن تتدخل الدولة.. ليس ضد الحرية ولكن لحماية المجتمع.
رابعا: القضية ليست في المواقع الاخبارية مثلا بل فيما يتناقله الناس ويتقبله البسطاء خاصة الشباب من الجنسين لدرجة أن قضية مثل اصطدام الشهب بالأرض ونهاية العالم في الشهر المقبل أصابت اسرا كثيرة بهلع وخوف وبالتالي فإنه لابد من أن يضع لنا خبراء والاعلام رؤية في كيفية التعامل مع السوشيال ميديا خاصة تلك التي يتم الترويج من خلالها لقضايا وموضوعات حساسة تهم الناس أو تؤثر عليهم.. فكم من فتاوي خاطئة وغير صحيحة يتم الترويج لها وكم من أحداث من صنع الخيال يتم بثها وكأنها واقع.. فماذا يفعل البسطاء الذين يستقيلون كل هذه الخرافات؟
خامسا: نحن بحاجة إلي تجديد في الخطاب المجتمعي ثقافيا وفكريا وعلميا وإعلاميا.. قبل التجديد في الخطاب الديني.. وفي حاجة أمس إلي تأكيد الوعي المجتمعي لأن غياب الوعي يسمح بمرور الخرافات إلي عقولنا وتأثيرها في حياتنا ومع التطور التكنولوجي الرهيب بميل الناس إلي عالم ما وراء الطبيعة والتفسيرات غير العلمية وبالتالي إلي الخرافة.. وهذا ما يفسر كيف ان الناس استقبلوا خرافة اصطدام الشهب بالأرض لتكون نهاية العالم في الشهر المقبل رغم العلوم والتكنولوجيا وتطور علم الفلك.. فالناس عادة تميل إلي العند.. وتغيب العقل.. وهو ما يعني تغييب العقائد الدينية.. وبالتالي التسليم بما هو غيبي وفقدان الوعي.
إنها مجرد حادثة قد يكون الكثيرون قد تأثروا بها وآخرون اكثر منهم لم يعلموا عنها شيئا ولكن المهم.. كيف نستفيد من هذه الحادثة لإعادة الوعي إلي شبابنا.
الوعي هو الفريضة الغائبة في مجتمعنا الان بكل المقاييس وعلي الجميع ان يعيد هذه الفريضة إلي سياقها الأصيل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف