الدستور
صفوت البياض
الدعوة لربط الأحزمة
تكررت دعوة الشعوب لربط الأحزمة تمامًا، كما ينادينا قائد الطائرة بضرورة ربط الأحزمة، قُبيل إقلاع الطائرة، وقبل هبوطها وعند مواجهة عواصف أو أعاصير أو مطبات هوائية. وفى كل مرة تصدر فيها تعليمات ربط الأحزمة يُمنع المسافرون من ترك المقاعد مهما كانت الأسباب التى يكون بعضها عاجلًا ومُلحًا، إلا أن سلامة المسافر تقتضى الصبر والاحتمال، مهما كانت الضرورة، وعلى المسافرين أن يتحملوا إلى حين تُطفأ الأنوار الحمراء، وتستبدل باللون الأخضر وهنا يستطيع المسافر أن يتحرر من الأحزمة ويتحرك داخل الطائرة كلما أراد ذلك.
ومنذ نحو خمسة عشر عامًا، كتب الراحل أحمد رجب، فى عباراته المختصرة والمفيدة «نصف كلمة»، وبلغة التساؤل قال: «سؤال حائر على ألسنة الناس متى يتوقف جنون الأسعار التى تحقق كل يوم قفزات جديدة؟».. وكان تعليق الكاتب: «يقول أحد الفلكيين إن هذا الغلاء سوف ينحسر عند دخول كوكب الزهرة فى برج الحمل، وخروج عِبيد من برج الوزارة».. أما عنوان الصفحة «الناس فى نار».
ولست أظن أن المسئول سواء كان رئيسًا للدولة أو رئيسًا لحكومتها بيده الحلول السحرية لمعالجة تضخم الأسعار وانخفاض الدخول، لاسيما دخل موظف الحكومة المرتبط بقدر محدود للغاية لا يتناسب مع ارتفاع الأسعار، وانخفاض حاد فى قيمة العملات المحلية من جانب، وارتفاع جنونى للعملات الدولية التى يتم بها سداد ثمن المواد المستوردة، التى لا غنى عنها، ومن المواد الغذائية وحتى رغيف الخبز الذى لا غنى عنه مضافًا إلى السلع الضرورية، كالمحروقات التى تستخدم فى التنقل وفى الإضاءة ومجالات أخرى كثيرة ومنها حياة الإنسان وحاجته إلى الأجهزة الطبية وحتى كوب الماء الممكن شربه.
وأمام هذا المناخ الذى لا مهرب منه إلا بخطوات أكثر شدة تقع نتائجها على المواطن محدود الدخل، الذى يحاول أن يجد كلمة أكثر تعبيرًا من عبارة محدود الدخل فتسمعه يقول معدوم الدخل أو «مهدود حيل الدخل» وأمام ما يمر به الوطن والمواطن من معاناة حياتية- ورد إلى خاطرى بعض التصورات التى قد يكون لها مكان لدى أصحاب القرار، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أبدأ بالمواطن الذى هو أخى وأختى فى الوطن ومعًا شركاء الحال، هل نعمل كل ساعات العمل بالجهد والقلب كما يفعل أولادنا فى دول أخرى قريبة أو بعيدة؟ وهنا أذكر قصة رئيس جامعة- أطال الله عمره- الذى ركب تاكسى إلى الجامعة، وفى حديثه مع السائق، اكتشف أنه موظف بالجامعة، وهو يوقع حضور فى الصباح، ثم يخرج لالتقاط رزقه ليعود مع وقت الانصراف، ليوقع انصرافًا، فكان أن طلب رئيس الجامعة من السائق أن ينتظره قليلًا، فظن السائق أن الراكب سيعود إلى مكان آخر وليكن بيته، وإذ به يدعى للتحقيق، فيكتشف أن الزبون هو رئيس الجامعة.
العالَم الذى نحن منه- ولكنه خارج حدودنا الجغرافية- لديه حكمة نحن نحفظها، أما هم فيعيشونها «من لا يعمل لا يأكل»، والمقصود بالعمل إنتاج، وليس جلوسًا خلف المكاتب لشرب الشاى، ونحل وبر الآخرين بالنميمة والشكوى.. أما الرأى الآخر الذى قد يتفق معى فيه كثيرون أو قليلون فهو الحلول البديلة التى تحتاج إلى جرأة القرار وبعض من تحمل القادة كما يتحمل الشعب.. وعلى سبيل المثال: كم عدد الاستراحات الرئاسية والوزارية وعلية الرتب العسكرية ومعظمها فى داخل المدن ويمكن تخفيض أعدادها ويكتفى بواحدة فى الصيف وأخرى فى الشتاء، ثم تعرض هذه القصور فى مزادات علنية وبالعملات الدولية، أو ما نطلق نحن عليها بأنها عملات صعبة، وهى ليست كذلك لدى أصحابها، على أن المشترين يكونون من المواطنين وليسوا من غيرهم ولو كانوا ذوى قربى جغرافية.
كما يستطيع أبناؤنا من العسكريين أن يقيموا مراكز أكثر جمالًا بعيدًا عن زحام المدن، وصحراؤنا واسعة وجميلة صيفًا وشتاءً، ولديهم الأيدى البشرية من مهندسين وعاملين بقدرات عالية وصبر منقطع النظير.. إننى أتصور أن عائد المنتجعات والمواقع التى يمكن استبدالها بغيرها سوف تغنينا عوائدها عن قروض من قرود متربصة بنا، شامتة فينا، يعطون باليمين ويستردونها باليسار، مع عوائد وفوائد، أو بتعالٍ وازدراء ناسين كل ما قدم لهم عبر أزمنة طويلة، قبل أن يكتشفوا أنهم يعيشون على ذهب أسود، لم يكونوا يحلمون به، ونحن غير ناقمين ولا حاسدين، ولن نكون، بل لهم داعون أن يزيدهم المولى رزقًا، ولا يمنون علينا أو يعيروننا، فكم أعطت مصر وإن كانوا قد نسوا، فالتاريخ لم يُمح ومتيسر لمن يريد التذكر، إن كان ناسيًا أو متناسيًا.
إننى أضع هذه السطور لعلها تذكرنا بماضينا، وهو ليس ببعيد، وحاضرنا وهو أمام أعيننا، ولا تنقصنا إلا خطوات جريئة وسريعة، سوف تسعد شعبنا وتضع أمامهم واجبهم وهو العمل، ومن لا يعمل يجوع ويمرض ثم يرقد.. وأقول للجيران وغير الجيران: «إن مصر غنية برجالها وقياداتها، وأنتم خير شهود على ذلك، فكيف يعملون فى بلادكم تحت ظروف قاسية من حر أو برد وظروف أخرى ننأى بأنفسنا أن نذكرها وهم راضون» نعم إن مصر لم تشخ أو تعجز، فهى مصر ذات تاريخ لا يضاهيه تاريخ فى أغلب أركان المعمورة القريبة منا أو البعيدة عنا، وكفانا فخرًا أن على أرضها مشى السيد المسيح، فبارك شعبها بوعد صادق «مبارك شعبى مصر».

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف