الوطن
حسن ابو طالب
البحث عن مرشح رئاسى
الأيام تمر مُسرعة، الأحداث تتقاذفنا كما تتقاذف الأمواج ما فى البحر دون قصد معين، أحياناً نشعر بالتوهان فى أى اتجاه نسير، تأخذنا صغائر الأمور وننسى الأهم، بل والأكثر أهمية، نقترب سريعاً من الانتخابات الرئاسية، لم يبق سوى أقل من 11 شهراً على تسليم السلطة للرئيس المنتخب، وأقل من سبعة أشهر على بدء الحملة الانتخابية بين مرشحين تنطبق عليهم الشروط القانونية والدستورية، ويرون فى أنفسهم القدرة على المنافسة، ويعتقدون أنهم قادرون على العطاء لبلدهم إن نالوا مسئولية المنصب الأول فى البلاد. هذا حقهم الذى لا يمكن أن ينازعهم فيه أحد، ومع ذلك لا نشعر بوجود أحد من هؤلاء، الكل صامت والكل ينتظر أن يتحرك أحدهم دون أن تظهر مؤشرات ما على هذا الطرف المُنتظر.

فى المقابل نجد تأكيدات من أحزاب لها تمثيل جيد فى البرلمان بأنها تؤيد ترشيح الرئيس السيسى لفترة رئاسية ثانية وهذا حقها، بعض النقباء لنقابات كبرى يقولون الأمر ذاته، لأنهم يرون أن الرجل يعمل بشرف ويجتهد من أجل إصلاح الأحوال، وأن كثيراً من الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح، ولذا لا بد من إعطائه فرصة ثانية ليكمل ما بدأه. أحد رموز اليسار قال إن الأمر ليس تمثيلية لكى نبحث عن «مرشح والسلام»، فالرئيس السيسى له شعبية طاغية ولا ينافسه أحد، لقد أغلق الباب قبل أن يُفتح أصلاً، مثل هذه الرؤية لا علاقة لها بفكر ديمقراطى أو دولة مدنية تعددية كما يقول الدستور.

ما بين واقع الشعبية الكبيرة للرئيس السيسى، واقتراب موعد الانتخابات، ورغبة البعض فى أن تشهد مصر منافسة انتخابية حقيقية تُطرح فيها التصورات الجادة ويجرب فيها المصريون انتخابات رئاسية ديمقراطية بين بدائل وطنية محترمة، تبدو الأمور مُربكة لدى البعض وهم قليل، ولا أهمية لها لدى البعض الآخر وهم الغالبية الساحقة، حالة التسييس الكبيرة التى شهدها المجتمع المصرى قبل ثلاث أو أربع سنوات، آخذة فى الغياب شبه التام لصالح الانغماس أكثر وأكثر فى هموم الحياة اليومية الدائرة حول الارتفاع المتوحش للأسعار، والضرائب التى تفرضها الحكومة على كل شىء بما فى ذلك العلاج والطعام والمياه وربما الهواء والتنفس فى مرحلة مقبلة تحت مسمى ضريبة الحياة، البحث عن فرصة عمل هو الأهم من أى انتخابات رئاسية أو برلمانية أو محلية لا يعرف أحد متى ستتم، حالة التغييب هذه تثير القلق، فمن سيذهب إذن إلى صناديق الانتخابات؟ وكيف سيتم تسويق الحدث فى الداخل قبل الخارج؟ أسئلة صعبة يجب التفكير فى الإجابة عنها برشادة وروية.

الأحزاب السياسية بما فى ذلك التى ترى نفسها فى جانب المعارضة أو لديها تحفظات على الأداء الحكومى تبدو ليست معنية بالانتخابات الرئاسية المقبلة، الأحزاب فى كل النظم مهمتها المنافسة السياسية وليس تفضيل الوقوف فى الظل، لا يوجد من يجهز رموزاً تصلح للمنافسة الانتخابية الرئاسية، بعض الإعلام يلعب دوراً سلبياً فى هذا الصدد، فإن طُرح اسم ما يصلح أو يفكر فى المنافسة الانتخابية أو يقترحه أحد على سبيل الاحتمال، تتبارى بعض الأقلام والأصوات فى قتل الشخص معنوياً وسياسياً وربما أخلاقياً، وبحيث يُفضل الجميع الابتعاد عن الساحة، هذا النوع من الإعلام لا يرى الأمور جيداً، فإخلاء الساحة من المنافسة فيه من الضرر أكثر كثيراً مما فيه من الخير، هذا إن وجد خير أصلاً، والبعض هنا مثل الدبة التى قتلت صاحبها وهى تعتقد أنها تحميه.

مصر بحاجة إلى نموذج سياسى ديمقراطى تقدمه لنفسها وللعالم، والانتخابات الرئاسية المتعددة والحرة والمنافسة الشريفة هى الفرصة الكبرى التى تثبت أو لا تثبت وجود هذا النموذج السياسى الديمقراطى فى بلد ما، المطلوب أن يوجد مرشحون من خلفيات مختلفة، دينية ومدنية ويسارية وليبرالية ووسطية، التنوع السياسى مطلوب، الإصلاحات الاقتصادية ومهما كانت جيدة لا تغنى إطلاقاً عن الحرية السياسية بأشكالها المختلفة، حين يأتى مبعوثو الدول والمراسلون لكى يتابعوا انتخابات رئاسية ولا يجدون أشخاصاً ذوى حيثية يتنافسون ويسعون إلى جذب الأنصار ويأملون بالفوز، فما الذى يمكن أن يقولوه لشعوبهم وقرائهم؟ فهل فكرنا فى مثل هذه الصورة التى ستُرسم لمصر فى حال خواء المنافسة وغياب المرشحين ذوى الوزن، أحد المفكرين الكبار لخص الأمر بأنه «سيكون شكلنا وحش قوى»، وإذا كان الشكل مهماً، فالمضمون أكثر أهمية، مصر لا تريد تمثيلية محسوبة ومكتوبة بالقلم سخر منها رمز يسارى، ولا تريد شكلاً بلا مضمون، مصر تريد انتخابات حرة ومنافسة شريفة، إن لم تُنصف مصر نفسها فمن سوف ينصفها، بالقطع لا أحد.

الفترة الزمنية الباقية محدودة وتتآكل بسرعة، لا مجال لاستنزاف الزمن بالصمت أو التجاهل، الحركة الواعية والمدروسة مطلوبة بشدة؛ وأولها أن تجتهد أحزاب وقوى مدنية فى اختيار رموز مشهود لها بالوطنية، ولكل منهم قدر من الشعبية قابل للزيادة، وثانيها مجموعات قريبة من فكر الرجل المرشح تجتهد لوضع برنامج سياسى متكامل تطرحه على الشعب تعتبره رؤية شاملة للنهوض بالوطن، وثالثاً أن يبدع المؤيدون لهذا الطرف أو ذاك فى أساليب الانتشار الواقعى والافتراضى معاً، دون الوقوع فى شرك الإساءة إلى الآخر، فلسنا فى مجال صراع صفرى يقتل فيه طرف الطرف الآخر، بل فى مجال منافسة تعلمنا كيف نكون ديمقراطيين نقبل الآخر وننافسه فى آن واحد وفق الضوابط القانونية، ورابعاً على الإعلام أن يدرك أن مهمته هى التعريف بهؤلاء المرشحين أمام الرأى العام، وأن يفسح لهم فرصة التعبير عن أنفسهم وعن آرائهم وبرامجهم، وأن يتخلى عن لعب دور «المكنسة الخارقة»، وخامساً أن تثبت مؤسسات الدولة أنها تنحاز إلى مصر الديمقراطية، وأن وظيفتها الرئيسية هى تأكيد نموذج حى للحرية والمنافسة الشريفة، وأن تضع فى اعتبارها أن هناك فى كل ركن من أركان المعمورة من يراقب ويشاهد ويحلل ويُقيّم ويخرج بالنتائج وبعدها يتخذ السياسات والمواقف الإيجابية، أو يلجأ إلى ضغوط وانتقادات لسنا بحاجة إليها.

الحاجة إلى أكبر مساحة من سعة الأفق من الأفراد والمؤسسات مطلوبة الآن أكبر من أى لحظة تاريخية مرت بنا فى السنوات القليلة الماضية، وأملنا أن نكسب الرهان وأن نعيش بالفعل تجربة انتخابات رئاسية جيدة تحسب للنظام وللرئيس ولكل المؤسسات، وللوطن بأسره.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف