المصرى اليوم
أسامة غريب
مَن الفائز؟
يعانى الذين هاجروا وتركوا الوطن من مشكلة تؤرقهم وتفسد عليهم حياتهم مهما حققوا من نجاح، ومهما كانت حياتهم الجديدة مريحة وخالية من المنغصات. إلى جانب الحنين الأبدى للوطن الأم والتعلق بأخباره هناك مشكلة خاصة بالأبناء الذين فى معظم الأحيان ينسلخون عن مصريتهم وعروبتهم وكل الأفكار التى أخلص لها الآباء والأمهات، إذ إنهم يصبحون كنديين تماماً أو أمريكيين أو أستراليين تماماً، أى يندمجون فى المجتمع الجديد وينصهرون فيه ويتشربون قيمه وعاداته ويصبحون جزءاً منه. وهذا طبيعى جداً بالنسبة لطفل لا يحمل فى رأسه ذكريات عن مكان غير مسكنه وجيرانه ومدرسته ولغته الإنجليزية. أما مصر بالنسبة لهم فهى مكان فلكلورى لطيف يذهبون إليه فى بعض الإجازات مع الأهل ويقضون به أياماً كالغرباء وسط أناس يفهمون كلامهم بصعوبة، ثم يعودون ليقصّوا على أصدقائهم قصصاً عن النصب والفهلوة التى صادفوها فى رحلتهم إلى بلاد يصر أهاليهم على أنها بلادهم!

وقد تزيد المشكلة بالنسبة للأهل فى حالة البنات، خصوصاً مع الرغبة فى الحفاظ عليهن بالطريقة الشرقية، وهى مشكلة صعبة أحدثت تمزقات لدى الأهل ولدى الأبناء، إذ ليس من الطبيعى أن تضع شخصاً فى بيئة منفتحة وتدخله مدرسة تعلمه التفكير الحر والاعتماد على الذات وتحمُّل المسؤولية واحترام الآخرين بصرف النظر عن معتقداتهم، ثم تحاول أنت فى البيت أن تحدثه عن الكفار الذين ليسوا من دينه وتضع له أو لها كوداً خاصا بالثياب واليونيفورم يختلف عن السياق الطبيعى الذى يعيشون فيه.. ثم تأتى المهمة الأصعب عندما يرغب الأهل فى تزويج البنت من شخص من البلد الأم أو على الأقل له نفس الدين، وقد يخوضون صراعاً رهيباً من أجل إيصالها للعريس عذراء!

وهنا قد نتبين فلسفة المسؤولين عن الهجرة فى كندا وأمريكا وغيرهما عند تقييمهم للمهاجر، فهناك معايير يتم على أساسها إعطاء درجات، فالشهادة الدراسية لها درجات، والدراسات العليا قد تزيد الدرجات الخاصة بالتعليم، وعامل السن يجعل الأولوية للأصغر سناً.. وهكذا. لكن يلاحظ أن هناك عاملا يتفوق على غيره فى قبول الهجرة، يكاد يتساوى مع النبوغ العلمى ألا وهو أن يكون مقدم الطلب متزوجاً وعنده أطفال.. هم فى الحقيقة يريدون الأطفال ولا يحفلون كثيراً بالأب والأم، وإنما يقبلونهما على مضض من أجل الحصول على أطفالهما فى المستقبل، فالأب والأم مهما بلغ تفتحهما وإقبالهما على الحياة بشكلها الغربى سيظلان أسيرين لما اعتاداه من حيث أتيا، وسيظلان يحتفلان بشهر رمضان وعيد الفطر وعاشوراء وعيد الميلاد فى 7 يناير وليس فى 25 ديسمبر، أى أن مصريتهما ستغلبهما على الدوام بسبب الجمجمة وما تحمله من ذكريات، على العكس من الأطفال الذين ستسبق أمريكيتهم أو كنديتهم أى ولاء آخر. وهنا قد نتساءل: من الفائز؟ هل هو الأب الذى فرض حصاراً على الأبناء فى المهجر من أجل أن يكتسبوا ما فى رأسه هو من معتقدات وتحيزات وأفكار، أم الأب الذى غلبه المجتمع الجديد وأخذ منه الأولاد إلى عالم أكثر رحابة بصرف النظر عن الرأى فى هذه الرحابة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف