الوفد
د. مصطفى محمود
الغرب محطة تفريخ الأرهاب!
نحن نشهَد طفرة كبيرة على مستوى عمليات التطوع فى الجماعات الإرهابية غير مسبوقة فى التاريخ الحديث والمُعاصِر؛ فمن المعروف أن هناك 45 ألف متطوع منهم قرابة 6.500 شخص من أوروبا التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أو «النُصرة» أو «القاعِدة» أو الحركات الأُخرى المُماثلة؛ وبالتالى الأرقام مُفزِعة والغريب أنّ مُعظم الذين قاموا بعمليات إرهابية فى (فرنسا) أو فى (أوروبا) فى السنوات القليلة الماضية هُم من مواليد الدول الغربية.
ومعظم الإرهابيين الجهاديين فى الولايات المتحدة الأمريكية كانوا حسب إحصاء دولى من المواطنين الأمريكيين: المولودون فى الولايات المتحدة 190، المجنّسون 82، حاملو بطاقات إقامة دائِمة 43، غير معروف 39، لاجئون 12، حاملو تأشيرات دخول لغير الهِجرة 11، مواطنون ذوو وضع مجهول 11، ومهاجرون غير شرعيين 8. وبذلك نجد أن المولودين فى الولايات المتحدة فى هذا الإحصاء فى الواقع هم الأكثر حضوراً فى العمليات التفجيرية. وهذا يدحض وجهة النظر التى تقول إنّ الدول العربية هى التى تُصدِّر الإرهاب.
الغريب أن هؤلاء الشباب لا يخضعون لأيّ استغلال من أى نوعٍ كان؛ بل هُم يتقيّدون بخياراتٍ هم اتّخذوها؛ والذى دفعهم لاتخاذ هذا الخيار مجموعة واسعة من الأسباب فالكثير ممن فجّروا فى الغرب كانوا سُجناء سابقين أو محكومين سابقين، أو تحت المُراقبة. وللأسف أن السجون فى (فرنسا) وفى (أوروبا) بشكلٍ خاصّ هى مدرسة لتخريج اِلإرهابيين وتفريخ الفِكر التكفيرى، ومنذ قرن أو قرنين من الزمن، عندما كان يتمتّع أحد الشباب بفكرةٍ راديكالية، يريد أن ينضمّ مثلاً إلى مجموعةٍ إجرامية، أو دينية متطرّفة، ما كان يفعله أنه كان يتعاطى فقط مع هؤلاء الأشخاص ضمن بيئته الحصرية، وإن كان هذا الشباب مثلاً يتمتّع بأفكار مُتطرّفة فكان يبقى منغلِقاً على نفسه فى بيئته؛ وما كان ليرى أيّة خيارات أُخرى.
لكن اليوم، مع الإنترنت ومع وجود هذا العدد الكبير من الناس على وجه المعمورة، هناك مئات الآلاف من الأشخاص الذين يُمكنهم التواصُل معه عبر الإنترنت، وبالتالى سهل الإنترنت بطريقةٍ أو بأُخرى عملية التجمهُر بين هؤلاء الأشخاص الذين يحملون هذه الأفكار المُشابهة، وإن كانت هذه الأفكار المُشابهة ترتبط بالجهاد أو الإرهاب فالإنترنت يُسهِّلُ لهؤلاء أن يتماهوا ويتواصلوا.
وإلى جانب إعادة توطيد العلاقات فى ما بينهم لنشر هذه المُعتقدات ؛ وكلّ يوم هناك مليارات الرسائِل الإلكترونية التى يتمّ تقاذفها بين جهةٍ وأُخرى من الفضاء السيبيرى وبالتالى المُشكلة هى كيف نُحدّد ونرصُد تلك الرسائِل التى قد تكون مُرتبطة بأعمال إرهابية وتوجد بعض التقنيات لفعلِ ذلك.
إلى جانب مشكلة الاغتراب، وإشكاليات الهوية والاندماج فى داخل (أوروبا) والتى تعد عامِلا حاسِما وأساسيا فى تحوُّل الشباب إلى مسألة التطرّف، وهناك مشاكِل فى الاندماج وشاهدنا عبر التاريخ ما حدث فى ضواحى (باريس) وعمليات الإقصاء والتهميش ومُشكلة فى الاندماج بشكلٍ واضِح. وفى (بريطانيا) هناك 23 ألف شخص تحت المُراقبة. إلى جانب أن الأُطروحة الأساسية فى الغرب تقول أنّ الإسلام هو بذاته دينٌ عنيف وشهوانى وكذلك إرهابى.
وهناك أيضاً الذين جاءوا إلى الغرب ليتعرّفوا على الديمقراطية وعلى الازدهار، فإذ بهم يشعرون بأنفسهم أنهم منبوذون من المُجتمع ومنبوذون من المؤسسة الحاكمة رغم أنهم شكلياً يحصلون على كلّ الحقوق. نحن عندما نعيش فى (فرنسا) ونرى التجييش الإعلامى المُهين للعرب وللمُسلمين هناك من يفقدون عقلهم ويختارون الإرهاب. لكن إضافة إلى ذلك علينا أن نكون واضحين فى ذلك، أنّ الغرب حتّى هذه اللحظة يُصدِّر الأسلحة لدول تُشجِّع الفِكر الوهّابى التكفيرى، وفى المُقابل تستورِد الإرهاب أو تستورِد الفِكر الإرهابى طالما أنّ هذه الدول لم تتوقف عن هذه السياسة. وعلينا أيضاً أن نذكُر دائِماً أنّ هناك إرهاباً إسرائيلياً يُغَضّ النظر عنه؛ رغم أن كلّ الدلائِل كانت تُشير إلى وجود المُخابرات الإسرائيلية فى معظم التفجيرات؛ وهذا للأسف لا يسمونه إرهاباً فى حين أنّ أبسط عملية تحدُث فى أية ضاحية من ضواحى (باريس) يقولون إنّ الإسلام هو المسؤول!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف