جريدة روزاليوسف
د. محمد مختار جمعة
ضرورات الإصلاح
الإصلاح كلمة جامعة لكل ما هو خير، يقول الحق سبحانه: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ»، ويقول سبحانه: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ”، ويقول سبحانه: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون»، ويقول سبحانه: «لَا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا»، ويقول سبحانه: «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ»، ويقول سبحانه: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»، وذكر القرطبى فى تفسير هذه الآية أن الله «عز وجل» لا يهلك القرى بالكفر وحده أو الشرك وحده، إنما بما يكون معه من الفساد على نحو ما أهلك قوم شعيب عندما طففوا الكيل والميزان، وقوم لوط عند إتيانهم الفاحشة، وعاد لعتوهم واستكبارهم، وقد قالوا إن الدول تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وأن الله عز وجل ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، لأنها لو كانت مسلمة حقًا لما كانت ظالمة لا لغيرها ولا يظلم بعضها بعضًا.
وهذا نبى الله صالح «عليه السلام» يقول لقومه: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى الأرْضِ وَلا يُصْلِحُون»، ويقول لهم: «وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ»، فلما عتوا وتجبروا وأسرفوا فى الغى كانت العاقبة فى قوله تعالى: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ».
وهذا نبى الله شعيب «عليه السلام» يقول لقومه: «أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِى الأرْضِ مُفْسِدِينَ»، ويقول لهم: «وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»، فلما عتو وتجبروا كان العذاب وسوء العاقبة لهم، حيث يقول الحق سبحانه: «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ».
ولا يكفى أن يكون الإنسان صالحًا فى نفسه ليكون بمنجاة من عقاب الله وعذابه فى الدنيا والآخرة، ذلك أن النبى «صلى الله عليه وسلم» سئل: أنهلك وفيها الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ»، وفى الحديث: أن الله «عز وجل» أمر ملائكته بإهلاك قوم، فقالوا: إن فيه فلانا، فقال: «ابدأوا به إنه رأى المنكر ولم يتمعر وجهه لأجلي» «الأوسط للطبرانى»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا، أَوْ مَظْلُومًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟، قَالَ: تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ».
وفى مقابل الصلاح فإن الله «عز وجل» لا يحب الفساد ولا المفسدين ولا يصلح عملهم، يقول سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَاد»، ويقول سبحانه فى شأن اليهود: «وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»، ويقول سبحانه فى شأن تجبر قارون واستعلائه على قومه وبغيه عليهم: «وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»، وقال موسى للسحرة عندما ألقوا ما ألقوا: «مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ».
وقد كتب سيدنا عمر بن عبدالعزيز إلى أحد ولاته رسالة من جملة واحدة يقول فيها: اعمل عمل من يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين، فكانت رسالة جامعة.
فلو أن كل واحد منا عمل فيما ولاه الله عليه من منطلق واعتقاد أن الله «عز وجل» لا يصلح عمل المفسدين، ولا يضيع أجر المصلحين، ولم يكتف أن يكون صالحًا فى نفسه، إنما اجتهد أن يكون صالحًا ليكون قدوة، وأن يكون مصلحًا وفاء بحق دينه ووطنه، لتغير حالنا، وتحقق ما نصبو إليه جميعًا من مرضاة ربنا ورفعة شأن أوطاننا، فعلينا أن نكون إيجابيين، وأن نتخلص من كل عوامل وجوانب السلبية المقيتة، مع استعدادنا لدفع ضريبة الإصلاح وتحمل تبعاته، لأن طريق الإصلاح طويل وشاق ويحتاج إلى صبر وأناة وجهود مضنية، فقد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، غير أن من سار على الدرب وصل «وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف