الدستور
مدحت بشاى
جويدة الرومانسى.. ومستنقع الدراما!
فى زمن ما بعد نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧، كان للكاتب الروائى نجيب محفوظ مجموعة قصصية «تحت المظلة» اعتمد فيها على الرمز والإطار الغامض نسبيا «حيث النكسة المظلة وجميعنا تحتها نخشى البلل، رغم ثقتنا بأنه بلل غير قاتل»! والآن يبدو أننا نعيش من جديد حالة ذلك «الكيان المحفوظى» المرعوب من الخروج من تحت مظلة الحماية من البلل الخطير.
وفق خيالات وتهويمات ورؤى عبثية يتبناها كتبة النقد الأرزقى بكل أنواعه وفق المناسبة ودرجة عدم المهنية وغياب التخصص باعتبار السبوبة سهلة، فيسودون صفحات الفن ومجلاته العبيطة «فى كثير من الأحيان» بالنقد الانطباعى والوصفى والانتقائى والطائفى، يخيفون الناس بفزاعات كاذبة تؤكد أن الحال قد وصل بمجتمعاتنا فى الريف والحضر إلى درجة مرعبة من الانحلال الأخلاقى والانفلات القيمى بسبب فنون الزمن الأغبر ومخرجاتها البشعة التى فاضت من وجهة نظرهم المريضة بغثاء الكلمة واللحن والدراما، وإذ فجأة بتنا وكأننا ما قمنا بثورة ضد جماعة غاشمة غشيمة جاهلة مستبدة اعتلت كرسى السلطة، فأسسوا لتلك المفاهيم ما سموه الفن النظيف الحلال المتغطى المتكلفت المغسول والأكثر بياضا المصون برعاية وإشراف أهل الدين والفضيلة، فبالإضافة لاعتمادهم شعار «الكذب أسلوب حياة»، كان لابدــ فى زمانهم الأسود ــ للفنون وجميع الأنشطة الإبداعية والثقافية ومناهج التعليم أن تتبع جميعها النهج الفكرى الإخوانى الظلامى ليرتدوا بها وبنا إلى قرون التراجع الحضارى!.
واعتدنا كل فترة أن تسرى فى البلد هوجة.. موسم للهجوم على ثورة يوليو وناصر.
وموسم للفتاوى والتصريحات الطائفية، وموسم «نافعة- أبوالمجد إخوان» للمصالحات، والآن موسم الهجوم على صناع الدراما التليفزيونية.. هو موسم «الفضيلة التى تنتحب».. نعم، هناك بعض الألفاظ والمشاهد غير اللائقة، ولكن مش لدرجة إن حُراس القيم والأخلاق يُعلنونها ثورة على مسلسلات الفجور اللفظى والدعارة الدرامية والانفلات الـ.. اللى قالوه كتير وأكتر من أى موسم درامى «وبشكل خاص موسم رمضان ٢٠١٥».. ودعونا نتوقف عند ما قاله وكتبه فاروق جويدة الكاتب الكبير والشاعر الرومانسى الرقيق اللى دوخ بناتك يا مصر بأبيات قصائده الناعمة الحالمة.. قال «كان عبئا ثقيلا على قلبى وأعصابى وقدرتى على الاحتمال أن أجلس أمام الشاشة لكى أشاهد هذا المستنقع الذى طفح علينا طوال الشهر المبارك.. إن أخطر ما فى هذه الكارثة أنها جمعت نجوم السينما والدراما فى مهزلة واحدة.. كنا نتصور أن النجوم العائدين من بركان ثورة هزت العالم سوف يقدمون شيئا جديدا رائعا ومختلفا ولكن للأسف كانت هذه المشاهد هى بعض ما رأينا فى مستنقع الدراما». وأنا أيضا يا شاعرنا الكبير بدورى أتعجب أنه بعد انفجار بركان تلك الثورة، تخصص أعرق جريدة ما يقارب صفحة كاملة لشاعر كبير ليقول لنا فى موعظة على جبل الفضيلة إن هناك مؤامرة على الفن المصرى، محملا الدراما أحداث التحرش وكل البلاوى السودا حدانا.. وبالفعل، كانت دراما رمضان فى السنة إياها مؤامرة على الفكر النمطى.. مؤامرة لبيان تحالف الجهل والدجل والشعوذة والتدين الشكلى بتركيبات وبرؤى جديدة ومهنية ورسالة مهمة فى وطن يعيش حالة حرب مع كل تلك الظواهر، وكان مطلوبا المزيد من التعبئة الوطنية وكشف تجار الزيف والأديان.. هناك أعمال رائعة قدمت ما لم تقدمه دراما مصرية من قبل.. هناك أعمال أتقن من أبدعوها فى إنتاجها، هوّ الإتقان مش فضيلة ننشدها فى زمن الهمبكة يا شاعرنا والصحفى الاقتصادى السابق؟!.
دعونا ننشد النهج العلمى فى النقد يا سادة بأقلام أهل التخصص، وبدلًا من المحاولات الخايبة لإسكات المطر، اخرجوا من تحت المظلة، فالبلل لا يميت والشجاعة ضرورة يا ثوار، والأمل موجود فى عضو مجلس مكافحة الإرهاب الشاعر الكبير فاروق جويدة، وها هو رأيه فى أحد أخطر وأهم عناصر الإخوان والقطب المخطط فى مراحل كثيرة من مراحل بشاعات تلك الجماعة الإرهابية، وأتركك عزيزى القارئ مع تلك السطور من مقال شهير تم نشره بجريدة الأهرام للشاعر الرومانسى، ولا تسألنى كيف خصصت جريدة بأهمية «الأهرام» صفحة لتكريم رمز جماعة إرهابية سودت عيشتنا على مدى ما يقارب الزمن!.
يقول جويدة: «للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح سيرة طيبة تسبقه فى كل مكان‏..‏ إن فى شخصيته إشعاعا خاصا يحيطه بقدر كبير من الاحترام والمصداقية‏..‏ لم أعرف د‏.‏ أبوالفتوح معرفة شخصية.
ربما التقينا فى مناسبات عادية وتصافحنا بالمصادفة ولكننى كنت أتابع مشواره من بعيد منذ ظهر على الساحة السياسية وهو يجادل الرئيس السادات فى جامعة القاهرة وكان أبوالفتوح يومها رئيسا لاتحاد طلابها وهو يدرس الطب.. كنت ومازلت أرى فى د.أبو الفتوح فكرا إسلاميا مستنيرا مترفعا فى حواره مقنعا فى حجته هادئا فى آرائه.. وقبل هذا كله هو إنسان يجبرك على أن تصدقه.. وإذا كان كل واحد منا يحمل تاريخه فإن للرجل صفحات مضيئة يمكن أن يفخر ويعتز بها ابتداء بسنوات سجنه فى الثمانينيات وانتهاء بمواقفه فى قضايا الرأى والحريات.. فى تقديرى أن أبوالفتوح هو الذى قاد تشكيلات الإخوان المسلمين بين طلاب الجامعات فى السبعينيات وكان نموذجا إسلاميا مبهرا لهم سلوكـا ومواقف. ولا تستطيع أن تحسب د.أبوالفتوح على التيار الإسلامى أو جماعة الإخوان المسلمين فقط.. إنه مصرى حتى النخاع.. عربى لآخر نقطة فى دمه.. مسلم بكل ما يعنيه الإسلام والعقيدة من السماحة واليقين.. خاض معارك الحريات طالبا.
ثم كانت محاكمته عسكريا وسجنه خمس سنوات فى قضية ظالمة تحت دعوى قلب نظام الحكم.. ثم خاض معركة أخرى مع رفاقه فى الجماعة التى كانت محظورة خلافا فى الرأى واقتناعا بالمواقف.. وفى اتحاد الأطباء العرب قاد د.أبوالفتوح مواكب الإغاثة ولم يترك بلدا عربيا مصابا إلا وشاركه محنته.. كان أبوالفتوح فى كل هذه الجولات يؤكد انتماءه لدين عظيم ووطن عبقرى وأمة من خير الأمم.. ولا أعتقد أن حادثة الاعتداء عليه قد تركت لديه أثرا، فقد زادته إيمانا بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وأن معركته من أجل وطن حر وإنسان كريم تستحق أن يتحمل من أجلها الكثير».. ولك الله يا مصر، وعلينا أن ننتظر لنرى كيف سيكافح «جويدة» الإرهاب والتطرف بعد أن ينتشل الدراما من مستنقعات تطفح علينا فى كل مواسم الدراما، واضعا كل إمكانياته الأدبية والصحفية المهنية وجريدته العملاقة لدعم القطب الرمز أمام باب الفتوح الأشهر بين بوابات القاهرة العظيمة التى ما عرفها الرمز الإخوانى الوطنى «حتى النخاع» ولا عصابة الإرهاب والتطرف التى جاء مجلسنا الجديد للإطاحة بفكرهم ووجودهم الرذيل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف